الخميس - 30 أكتوبر 2025 - الساعة 11:09 ص بتوقيت اليمن ،،،
عدن برس / خاص
أجرى مركز دراسات المانيا، حوارا صحفيا مع وزير الخارجية الأسبق خالد اليماني، حول عدد من الملفات ذات الصلة بالوضع العام في اليمن بشكل عام، وملف الجنوب بشكل خاص، إضافة إلى ارتباط وتأثير الوضع في اليمن والجنوب على الإقليم والمنطقة برمتها، إليكم التفاصيل:
- سعادة الوزير خالد اليماني، لقد شغلتم منصب وزير خارجية اليمن من عام 2018 إلى عام 2019. هل يمكنكم تقديم لمحة موجزة عن خلفية الحرب الأهلية اليمنية ووضعها الحالي واستقرار الحكومة؟
اليمن دولة فاشلة منذ مطلع هذه الألفية. وقد عُرفت باسم "اليمن الموحد" بعد إعادة توحيد الشمال والجنوب. كان اليمن الجنوبي دولة ذات توجه اشتراكي، وعندما انهارت الاشتراكية، بدأ قادته البحث عن خيارات جديدة، حتى انتهى بهم المطاف في وحدة مع الشمال. أما اليمن الشمالي، فقد حافظ على هيكله القبلي، مما يفسر التناقضات الحادة بين الدولتين، وقد أدت إعادة توحيد اليمن إلى إحياء الطموحات الزيدية التاريخية في الجنوب.
لقد تبين أن إعادة التوحيد بحد ذاتها كانت مجرد وهم آخر، لأن الأطراف المعنية سرعان ما بدأت تتآمر ضد بعضها البعض. وقد أدى هذا، في غضون سنوات قليلة، إلى حرب 1994 الأهلية بين الشمال والجنوب، والتي سيطر بعدها صالح من الشمال على جنوب اليمن بالقوة تحت شعار إعادة الوحدة. خلق هذا الوضع توترات داخلية عميقة، خاصة على طول خط التنافس التاريخي السني - الشيعي.
أصبح الشيعة الزيديون أكثر نشاطاً في الشمال، بدعم إيراني منذ البداية. ساعدت هذه الرعاية الإيرانية في بناء الحركة الحوثية لتصبح ما هي عليه الآن: مصدر خطير لعدم الاستقرار في المنطقة وللأمن الدولي.
لاحقاً، استولى الحوثيون على السلطة بالقوة في وقت كانت فيه الحكومة ضعيفة أصلاً. أدى انتقال السلطة، بموجب الوساطة التي قادتها السعودية والمعروفة بمبادرة مجلس التعاون الخليجي (GCC)، إلى استقالة صالح. جرت انتخابات رئاسية في فبراير 2012، وأسفرت عن رئيس جديد من حزب صالح، ولكنه كان من الجنوب. ومنذ تلك اللحظة، بدأت الأمور بالتفكك.
رفضت الفصائل الشمالية قبول نتيجة الحوار الوطني الذي رعته الأمم المتحدة، ورفضت التعاون مع رئيس جنوبي، وتآمر الحوثيون مع صالح للاستيلاء على السلطة. طردوا الرئيس هادي الذي فر جنوباً، بينما سيطر الحوثيون سيطرة كاملة على الشمال.
توجه الرئيس هادي إلى المملكة العربية السعودية، ومن هناك، شن تحالف عربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عملية عاصفة الحزم لإعادة الشرعية للدولة في اليمن.
وتستمر قصة اليمن من عام 2015، عندما بدأت الحرب، حتى عام 2025، أي عشر سنوات من الصراع دون نهاية واضحة في الأفق. ما زلنا لا نعرف ما هو القادم بالنسبة لليمن.
- غالباً ما توصف الحرب الأهلية اليمنية بأنها صراع بالوكالة بين إيران والمملكة العربية السعودية. ما هي الإجراءات التي تتخذها هذه الدول، وما هي المصالح التي تسعى لتحقيقها في هذه الحرب؟
اليمن، وخاصة الشمال، كان دائماً تحت النفوذ السعودي. خلال نظام صالح وما قبله، كانت المملكة العربية السعودية تمول جزءاً من ميزانية اليمن، بما في ذلك رواتب الجيش. عندما أصبح اليمن موحداً، سعى السعوديون للمساعدة في الحفاظ على الاستقرار حتى لا يصبح اليمن تهديداً للمنطقة.
في غضون ذلك، رأت إيران فرصة لتوسيع أهداف ثورتها لعام 1979 — للدفاع عن مصالحها وتمديد نفوذها.
بدأت في رعاية وكلاء لها في جميع أنحاء المنطقة: في البحرين، والكويت، والعراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، بل وفكرت في المغرب أيضاً.
استخدمت إيران الحوثيين للسيطرة على اليمن، والهدف التالي تمثل في إضعاف أو حتى هزيمة النظام السعودي واستعادة - بناءً على مزاعم تاريخية زائفة - المواقع المقدسة لمكة والمدينة.
واستهدف الضغط الإيراني على المملكة العربية السعودية من خلال العملاء إلى تطويق المملكة من الشمال والجنوب على حد سواء.
في العامين الماضيين، تدهورت دائرة نفوذ إيران إلى حد ما، لكنها لم تتلاشى، وتركيزها التالي هو القرن الأفريقي. حيث تقوم إيران بتهريب الأسلحة والذخيرة إلى المنطقة وتتعاون مع مجموعات مثل الشباب في الصومال وحتى بقايا القاعدة. إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل حاسم، سنرى عواقب وخيمة لذلك قريباً. من الضروري العمل مع الشركاء العالميين لاحتواء وهزيمة هذا النفوذ.
- يُعرف عن إيران على نطاق واسع أنها الداعم الخارجي الرئيسي للحوثيين. كيف يتم هذا الدعم فعلياً من الناحية العملية، وما هي التدابير المضادة الفعالة؟
تدير إيران شبكة واسعة للتهريب من المراكب الشراعية الصغيرة ("داو"). فإذا نظرت إلى البحر الأحمر عبر الأقمار الصناعية، سترى سفناً كبيرة، ولكن ليس المئات من المراكب الشراعية الصغيرة التي تبحر يومياً بين الساحل الأفريقي واليمن. مئات السفن الصغيرة تسافر عبر هذه الطرق كل يوم.
الطريقة الفعالة الوحيدة لاحتواء الحوثيين واستعادة الاستقرار الإقليمي هي تركيز جميع الجهود والموارد الدولية على دعم فصائل شرعية في اليمن - مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، وألوية العمالقة الجنوبية، والمقاومة الوطنية في الساحل الغربي - لكبح التهريب. يجب إغلاق موانئ الحديدة، ورأس عيسى، والصليف - بشكل دائم، والتي يستخدمها الحوثيون ليس لأغراض إنسانية ولكن لتهريب النفط في السوق السوداء وجلب الأسلحة والإمدادات الأخرى من إيران.
- كيف تطور الدعم الإيراني للحوثيين مع مرور الوقت، وهل كان لاغتيال قاسم سليماني أي تأثير على عملياتهم أو استراتيجيتهم؟ بالإضافة إلى ذلك، ما مدى فعالية الحملات العسكرية الأخيرة التي شنتها الولايات المتحدة وإسرائيل، وهل أثرت الحملة الجوية الإسرائيلية ضد إيران على الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن؟
كان سليماني مسؤولاً بشكل غير مباشر عن الحوثيين، من حيث ان جنرال آخر من فيلق القدس يدير العمليات المتعلقة باليمن، لانخراط سليماني بعمق في ادارة شبكة عملاء ايران في العراق ولبنان وسوريا.
أما بالنسبة للهجمات العسكرية الأخيرة، فإن ضرب البنية التحتية لا معنى له، حيث يختبئ الحوثيون في الجبال، لذا فإن القصف واسع النطاق لا يحقق شيئاً. بدلاً من ذلك، فان العمليات الجراحية الأصغر والمستهدفة أكثر فعالية بكثير - خاصة إذا كانت تستند إلى معلومات استخباراتية بشرية وأخرى متطورة، مثل الغارات الإسرائيلية على صنعاء في 28 أغسطس الماضي.
إن كلفة صاروخ واحد يمكن أن تمول شهراً من دوريات خفر السواحل. إن تعزيز خفر السواحل وتحفيز عمليات التفتيش اليومية لجميع التحركات البحرية - المراكب الشراعية الصغيرة والكبيرة على حد سواء - سيجعل الحياة صعبة للغاية على المهربين الإيرانيين.
- على الرغم من سنوات من العمليات العسكرية والجهود الدولية، بما في ذلك تلك التي بذلتها الولايات المتحدة، لماذا لم يكن من الممكن حتى الآن هزيمة الحوثيين كمنظمة قادرة واستعادة الأمن للملاحة الدولية في البحر الأحمر؟
أحد الإخفاقات الرئيسية لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل يتمثل في الافتقار إلى الاستخبارات البشرية. إن تضاريس اليمن الوعرة، والطبيعية الجبلية تجعل المراقبة عبر الأقمار الصناعية غير فعالة. بعد 45 يوماً من عملية "الراعي الخشن" (Operation Rough Rider)، أدرك الرئيس ترامب أن القصف المستمر لا طائل منه.
ارتكبت الولايات المتحدة خطأ فادحاً بعد سقوط الحكومة في صنعاء بسحب جميع بنيتها التحتية للتشغيل المشترك ونقل العمليات إلى جيبوتي وجدة. مما خلق فراغاً أمنيا، ومنح الحوثيين وقتاً ثميناً لبناء الأنفاق، وشبكات واسعة تحت الأرض، ونظام تهريب واسع النطاق.
كما ساعدت سلطنة عُمان في توفير ارضية للدبلوماسية الحوثية وأصبحت "المقر الثاني" للحوثيين بعد طهران. تسمح علاقات عُمان التاريخية مع إيران لها بالعمل "كوسيط سلمي"، ولكني أسميه "وسيط بالوكالة".
الحل الحقيقي الوحيد هو تعطيل وتدمير خطوط إمداد الحوثيين. لا يقوم الحوثيون بتصنيع أسلحتهم الخاصة؛ بل يقومون فقط بتجميعها وإطلاقها بمساعدة الخبراء من حزب الله والحرس الثوري الإيراني المتواجدين على الأرض في اليمن. ولا تأتي المكونات من إيران فحسب، بل تأتي أيضاً عبر شحنات تجارية من الصين وروسيا وكوريا الشمالية.
يجب قطع سلاسل الإمداد هذه بالكامل.
- من وجهة نظركم، ما الذي سيكون مطلوباً لإزالة الحوثيين من السلطة وإعادة تأسيس سلطة الحكومة المركزية في جميع أنحاء اليمن؟
الحكومة المعترف بها دولياً ضعيفة، ومتشظية بعمق، ومخترقة. هذه هي طبيعة الهيكل السياسي في اليمن. فليس جميع القوى المنطوية تحت مظلة الحكومة الشرعية منخرطة بنشاط في قتال الحوثيين.
ينظر الكثير من الناس إلى مجلس القيادة الرئاسي على أنه جبهة موحدة، ولكنه ليس كذلك. فالمجلس يتكون من أكثر من ثمانية فصائل، يحلم كل منها بأن يقوم التحالف والمجتمع الدولي بتنصيبه على رأس السلطة في صنعاء.
يتوقع السعوديون، كقادة للتحالف لاستعادة الشرعية في اليمن، بعد اتفاقية بكين مع إيران في مارس 2023، أن تقوم إيران بتفكيك عميلها الأخير في اليمن. وإذا ما وافق النظام الإيراني على دمج الحوثيين في حكومة وحدة وطنية، فمن المرجح أن يقبل السعوديون مثل هذا الحل للأزمة اليمنية.
- بافتراض أن الحوثيين سيُهزمون على المدى المتوسط - إما من خلال جهود دولية مشتركة أو عمل أحادي الجانب - ما هو المسار الذي تتصورونه لليمن نحو الاستقرار والنمو الاقتصادي؟ ومن الذي يجب أن يقود هذه العملية؟
إذا تم التوصل إلى اتفاق يستوعب الحوثيين في حكومة وحدة وطنية، فمن المرجح اتباع النهج الذي اعتمده مؤتمر الرياض في أبريل 2022. بالنسبة للسعوديين، فإن مفهوم الحرب الذي اتبعوه من 2015 إلى 2020 أصبح الآن بالياً.
حيث تركز الرؤية الحالية لولي العهد محمد بن سلمان على الاستقرار الإقليمي والتحول الاقتصادي. لا يمكنه تحمل المزيد من التعطيل لخططه التنموية أو للاستثمارات الضخمة في جميع أنحاء المنطقة.
ومع ذلك، تواصل إيران التفكير من منطلق إيديولوجي، وتسعى إلى التقسيم والسيطرة.
إذا تم التوصل إلى تسوية، فإن المسار الأكثر قابلية للتطبيق للمضي قدماً هو أن يعلن جنوب اليمن استقلاله. سيكون هذا أيضاً الخيار الأفضل لشمال اليمن. على عكس الماضي، لن يكون هذا اليمن الجنوبي الجديد ذو توجه شيوعي، بل موالياً للعرب، ومدعوما من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وقادراً على المساهمة في استقرار الشمال والمنطقة ككل.