كتابات وآراء


الأحد - 26 أكتوبر 2025 - الساعة 10:21 ص

كُتب بواسطة : اللواء علي حسن زكي - ارشيف الكاتب


تشهد عدن الحبيبة وهي التي عرفت الكهرباء منذ خمسينيات القرن الماضي أزمة كهرباء حاده ومعها الماء وهو حال بقية المحافظات الأخرى، متزامناً مع انقطاع المرتبات لخمسة أشهر متتالية استلموا الموظفين منها راتب شهر فقط ليس هذا وحسب بل أن شباب عدن وإخوانهم في المحافظات أيضاً في مرمى جريمة تهريب وخزن وبيع المخدرات حيث ازدادت في الآونة الأخيرة عمليات تهريبها وهو ما يتضح من خلال ما يتم اكتشافه على ظهر سفن وقوارب في عرض البحر ومداخل بعض محافظات.

لقد باتت عدن أيقونة المدنية والحضارة والثقافة والتعايش مخزن سلاح انتشر حمله وترويعه للآمنين فبمجرد نزوة يطلق أحدهم نيران السلاح وبمجرد خلاف بسيط بين مجموعة شباب يطلق أحدهم النار على المختلف معه فيزهق روحه أو يصيبه بجروح تلحق به عاهة مستديمة يظل يعاني منها ما تبقى من حياته.

بما هو الإرهاب الذي تم تصديره إلى الجنوب منذ عشية إعلان ما اسموها بالوحدة لازال مستمراً لعل آخره حتى الآن تلك الجريمة الإرهابية الغادرة التي استهدفت مقر قوات لواء الدعم والإسناد في المحفد والتي ذهب ضحيتها سقوط عددا من الجنود الأبرياء بين شهيد وجريح لا ذنب لهم سوى أنهم في محراب الواجب يدافعون عن سيادة وطنهم وأمنه واستقراره ويكافحون من أجل إعالة أسرهم من الراتب وهو مصدر عيشها الوحيد، فأي جرائم إرهابية نكراء تلك التي تحصد أرواح الأبرياء بدم بارد وبالسيارات المفخخة وأحزمة الإنغماسيين الناسفة وتفقد الأطفال حنان الأبوة والأسر عائلها وتلحق الضرر المادي والمعنوي والنفسي بهم (بأي ذنب قتلت) وعلاوةً عليه فإن قوى الإرهاب والمتخادمين معها يريدون من استمراره تقديم الجنوب أمام العالم بيئة غير آمنه وغير مهيئ لاستعادة دولته.

أن من بين أهم الأسباب التي تقف وراء ذلك أن الجنوب وعاصمته التاريخية عدن الأبية منطقة تقاطع مشاريع ومصالح خارجية بالنظر لأهمية موقعه الجيوسياسي وثرواته النفطية والغازية ومناجم ورمال الذهب والمعادن الأخرى واطلالته على ممر التجارة الدولية والشحن البحري وتحكمه بالمضائق والخلجان، بما هي عدن وبصورة خاصة تتمتع بإطلالتها على خليج عدن وعلى الممر الدولي أيضاً وبميناءها العالمي الذي اضعفوه ومطارها الدولي، يسيل عليها لعاب المصالح، إذ لم يكن عبثاً أن تم تسميها في عهد بريطانيا بــ (درة التاج) ولم يكن مصادفة أن اختارتها في عهد استعمارها للجنوب (قاعدة عسكرية لقواتها في الشرق الأوسط) طالما كانت تتوسط العالم وملتقى القارات الثلاث.

على ان ما يضاعف من أهمية الجنوب وعاصمته وفي سياق تقاطع المشاريع والمصالح حرب المياه والتسابق على التواجد فيها وعلى الممرات وتخوم المضائق والخلجان باعتبار من يفوز بذلك يتحكم ببقية البلدان واقتصادها ومصالحها وكذا مشروع طريق الحرير الصيني الذي سيربط أكثر من قارة ببعضها بما فيه الجنوب وعاصمته والذي يأتِ في ظل تنافس شرقي أمريكي/ أوروبي.

ومن الأسباب كذلك لما تشهده عدن والجنوب عامة من المعاناة.. أزمة الكهرباء الحادة عنواناّ لها، محاولة اضعاف شعبه وإشغاله بأمور حياته بدلاً عن انشغاله باستعادة دولته وشخصيته الدولية ولإبقاءه أبداً مترنحاً لا يسقط ولا يستقيم حتى يظل رهينة تقاطع مشاريع ومصالح خارجية وفي حال يكون على وشك السقوط تأتيه زخة المنح والودائع طالما كان سقوطه يشكل خطراً على الأمن والاستقرار ومحاربة الارهاب وأمن الملاحة الدولية في المنطقة.

فضلاً عن ابقاءه في وضع المترنح أيضاً من خلال غياب موارده وعائداته وضرائبه السيادية والمحلية وتسخيرها للايفاء بدفع المرتبات وتمويل الخدمات العامة وفي مقدمتها الكهرباء لاسيما وما يثار حول ضرورة إيداعها البنك المركزي حتى الآن مجرد خطابا لم يرى طريقه للتنفيذ بعد.

سيظل شعب الجنوب وعاصمته التاريخية أسيراً لأوضاع هكذا لا تنفع معها وعود واجتماعات وتصريحات ما لم تتبعها إجراءات وخطوات عملية وملموسة على الأرض تأتِ بأكلها في واقع حياة الناس وتحسين واستقرار معيشتهم وخدماتهم وفي مقدمتها خدمة الكهرباء والمياه والصحة والتربية والتعليم وانتظام دفع المرتبات وثبات الأسعار ولا ريب في ذلك...