تحقيقات وحوارات

الجمعة - 11 مارس 2022 - الساعة 05:46 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن برس / نقلا عن نيوز يمن


مع دخول الحرب الحوثية على اليمنيين عامها السابع، تواصل الذراع الإيرانية انتهاكاتها الإرهابية بحق المدنيين في مختلف المحافظات اليمنية سواءً الواقعة تحت سيطرتها أو التي تقع تحت طائلة نيرانها الإرهابية.

وفي 28 فبراير/شباط الماضي أصدر مجلس الأمن قراراً بالإجماع يصنف الحوثي كـ"منظمة إرهابية"، حيث ارتكبت العديد من جرائم الإرهاب المحلية والإقليمية والدولية.

محلياً، فإن تفجير منازل المعارضين واحدة من تصرفات الحوثي الإرهابية التي تخالف كل القانون الدولي الإنساني، حيث انتهجت مليشيا الحوثي هذه الطريقة منذ انقلابها على الدولة والسيطرة على مؤسساتها، وتلجأ الذراع الإيرانية إلى تفجير المنازل، في سياق التهجير القسري وإرهاب المواطنين خاصة المعارضين لمشروعها الإيراني، وكذلك الانتقام من خصومها.

نهج الحوثي والإرهاب

تفجير حرمة المواطن اليمني أو ما يعتبر بـ"وطنه الصغير" جريمة شنعاء ومخالفة للقوانين المحلية والدولية، وهي طريقة انتهجتها الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش في دولتي سوريا والعراق، ومليشيات الحوثي في اليمن.

لا تكتفي المليشيات بتفجير المنازل فقط، بل تقوم بتصوير عملية تلغيم وتفجير المنزل، وتقوم بعد ذلك بنشرها تفاخرًا بهذه الجريمة وكأنها قامت بعمل شيء خيري، وليس جريمة إرهابية، ويعد النشر واحدة من أدوات الإرهاب التي تبث الرعب في المجتمع.

في شهر نوفمبر من العام 2020، أقدمت عصابة مسلحة تابعة للمليشيات في مدينة تعز (جنوبي اليمن)، على تفجير منزل المصور الصحفي مهند العزاني، الواقع في حي الكمب شرقي المدينة، بعد تلغيمه بمادة "الديناميت"، إضافة إلى تفجير أحد المنازل المجاورة لبيت العزاني، وخلال حديثه لـ"نيوزيمن" يقول العزاني: "دمرت مليشيات الحوثي المنزل الوحيد الذي نملكه بعد وفاة والدي، الذي عاش طوال حياته وهو يعمل على تشييده".

وأضاف العزاني، "منذ أن عرفتُ نفسي في هذه الدنيا وأبي يسخر حياته من أجل استكمال هذا المنزل الذي بات حلمه الوحيد للسكن فيه".

وأوضح "استمررنا نعيش في ذكرى والدنا حتى بداية الحرب التي أجبرتنا على الخروج منه نازحين بعيدين عن خطر القصف، ولم نأخذ شيئاً من داخله حينها خرجنا بملابسنا فقط".

واستمرت أسرة مهند في النزوح تنتظر انتهاء الحرب التي كان الجميع يتوقع توقفها خلال بضعة أشهر، ولكنها باتت مستمرة مدى سنوات، حيث إن الجماعة الانقلابية لم تسمح لأسرة العزاني أن تمضي في أحلامها، حتى العودة إلى المنزل بسلام وأمان، وكان وصول خبر تفجير حلمهم الوحيد، ومستقبلهم الواعد، ومكان حلم أبيهم كصاعقة وسط غفلة.

ويقول مهند، "لقد قتلتنا المليشيات الحوثية وقتلت حلمنا وذكرياتنا وموطننا ومهجع رؤوسنا الذي كنا نراه الدنيا وكنوزها، فلعنة الله على هذه المليشيات التي عبثت بأحلامنا وحياتنا وجعلتنا مشردين نازحين حتى يومنا هذا وحتى موعد غير مسمى".

"جريمة حرب" بحكم القانون

صدَّقت الجمهورية اليمنية على عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في جميع المجالات: اقتصادية، سياسية، مدنية، اجتماعية، وثقافية، وغيرها، بالإضافة إلى اتفاقية جنيف الرابعة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جميعها تضمن للإنسان العيش بكل حرية وكرامة.

وعلى النقيض من ذلك تأتي كل تصرفات "الحوثي" الذي يقاتل بخبرات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الموالي لولي الفقيه الحاكم في طهران.

تؤكد المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما 17 يوليو عام 1998م، أن أفعال التفجير والتدمير للممتلكات والاستيلاء عليها بالقوة بمثابة جريمة حرب، وانتهاك مخالف لاتفاقيات جنيف الأربع، التي تعد اليمن واحدة من الدول التي صدقت عليها.

وبحسب الهيئة المدنية لضحايا تفجير المنازل فإنها رصدت 59 حالة تدمير لمنازل في العام 2021 في محافظات تعز ومأرب والبيضاء. وقالت رئيسة الهيئة "خديجة علي"، إن "مليشيات الحوثي فجرت منازل المواطنين أو بسطت وسيطرت عليها"، مؤكدة "أهمية أن يسمع ويرى العالم حقيقة المجرم الحوثي".

وأفادت خديجة أن الهيئة تعاني من صعوبة الوصول إلى الضحايا؛ بسبب الحالة الأمنية خصوصًا في المحافظات الواقعة تحت سيطرة المليشيات، إضافة إلى غياب الثقافة القانونية في ظل الحرب.. مناشدة الضحايا والقريبين منهم التعاون مع الهيئة، كون توثيق الانتهاكات التي تعرضوا لها جزءاً من حقوقهم التي يكفلها القانون الدولي الإنساني.

وكانت الهيئة المدنية قد نظمت في مارس/آذار الماضي 2022م، جلسة استماع لضحايا تفجير المنازل بمدينة مأرب لعدد من المتضررين من محافظات مأرب والبيضاء وإب، أوضحوا فيها ما تعرضوا له من انتهاكات بدءاً من تهجيرهم ونهب ممتلكاتهم وصولاً إلى جريمة تدمير وتفجير منازلهم.

وسرد المتضررون معاناتهم جراء التهجير والهروب من منازلهم ليلاً والتي فجرت بعد رحيلهم، مؤكدين أنهم يعيشون ألماً كبيراً خصوصاً بعد أن أصبحوا في العراء بخيام تفتقد لأبسط مقومات الحياة.

وفي حديثهم عن معاناتهم شكا عدد من الضحايا غياب المنظمات الدولية العاملة في حقوق الإنسان، التي لم تهتم بهذه الجريمة التي تعد من أسوأ الانتهاكات على مستوى العالم، كما لم تعمل هذه المنظمات حتى الآن على تجريم المليشيا الحوثية ومعاقبتها على ما ارتكبته من فظائع بحقهم وحق غيرهم من المدنيين.

المحامي والناشط الحقوقي، عمر الحميري، أكد في تصريح لـ"نيوزيمن"، أن جريمة تفجير المنازل من أشد وأكثر الجرائم في القانون الدولي جسامة، وأيضًا من أهم الجرائم التي تختص بها محكمة الجنايات الدولية باعتبارها ضمن الأعمال الانتقامية (تفجير المنازل - القصف المتعمد للمجمعات السكنية)، هذه أعمال انتقامية تأتي كردة فعل على خسائر عسكرية، أو ردة فعل انتقامية تجاه مجموعة من السكان بسبب عرقهم أو لونهم أو انتماءاتهم أو مواقفهم الشخصية.

ويشير الحميري إلى أن مليشيات الحوثي ترتكب هذه الجريمة من أول يوم بدأت فيها الأعمال القتالية والعسكرية، وتكثف منها كردة فعل عندما تتلقى خسائر عسكرية، شاهدنا هذا في مناطق صنعاء وتعز والجوف ومحيط مأرب وغيرها. أي أنها جريمة جسيمة يعاقب عليها القانون الدولي باعتبارها من أشد الجرائم جسامة.

وكلما دخلت مليشيات الحوثي منطقة، تتعمد تفجير منازل الأشخاص المعادين لها، والذين تربطهم روابط مع الدولة الشرعية، أو مع الجهات المعادية لها. بالتالي هذه جريمة متعمدة دائماً تُرتكب عن سبق إصرار وترصد، وعن نوايا مُبيّتة، يكون فيها دائماً الأشخاص المستهدفين هم غير المرغوب فيهم، أو الذين تختلف معهم المليشيات اختلافاً دينياً أو فكرياً أو سياسياً، لا يشترط أن يكون لهم دور عسكري، وإنما تشعر هذه المليشيات بأنهم لا يتفقون مع مشروعها. بحسب عمر، الذي يضيف: "شاهدنا تفجير منازل معلمين، وتفجير منازل شيوخ قبائل، وأشخاص مدنيين لا تربطهم بالعمل العسكري أي صلة، فهي أعمال انتقامية".

"الاجتثاث"

تهدف المليشيات في هذه الجريمة إلى اجتثاث وتهجير متعمد بحيث تكون النتيجة منع هؤلاء الأشخاص من العودة إلى هذه المنطقة بشكل نهائي، سواءً كان على مستوى أسرة أو عدّة أسر، أو إذا كان لهم تأثير، وأرادت المليشيات أن لا يكون لهم تواجد في المستقبل بهذه المنطقة، حتى إذا انسحبت منها.

وكانت الهيئة المدنية لضحايا تفجير المنازل قد نشرت مجموعة صور لأنقاض منازل فجرتها مليشيات الحوثي في عدد من المحافظات اليمنية.

تنديد حقوقي

كشف تقرير حقوقي، في وقت سابق، عن قيام الحوثيين بتفجير 810 منازل في 17 محافظة، لمواطنين معارضين للمشروع الانقلابي والقائم على التمييز العنصري السلالي، وذلك خلال الفترة من الأول من سبتمبر/أيلول 2014 حتى 30 يونيو/حزيران 2020..

وبحسب التقرير، فقد احتلت محافظة تعز المرتبة الأولى بعدد المنازل التي تم تفجيرها وتشريد الأسر منها والتي بلغت 149 منزلاً، تلتها محافظة البيضاء بتفجير 124 منزلاً، ثم إب بتفجير 120 منزلاً، فيما توزعت بقية المنازل التي فجرتها ميليشيا الحوثي بالترتيب حسب عددها الموثق على محافظات: حجة، ولحج، وذمار، وصنعاء، والضالع، ومأرب، والجوف، وعمران، وشبوة، والحديدة، وأبين، وصعدة.

وخلال الفترة من 1 سبتمبر 2014 وحتى 31 أكتوبر 2018 م رصد تحالف رصد تفجير (922) منزلًا ومنشأة عامة وخاصة، منها (833) ممتلكات خاصة، و(89) منشأة عامة في (21) محافظة يمنية، كانت محافظة تعز هي الأكبر من حيث ارتكاب جريمة التفجير فيها، حيث بلغ عدد المنشآت العامة والممتلكات الخاصة المفجرة فيها (160) منزلاً ومنشأة، تلتها محافظة إب بواقع (152)، ومحافظة لحج (82) منزلاً ومنشأة.

وعن محافظة الحديدة، فقد كان أول منزل قامت مليشيات الحوثي بتفجيره بالمدينة في "حارة اليمن" بتاريخ 19 أبريل/نيسان 2015م، وعلى إثره استشهدت فتاة تحت أنقاض منزل مجاور سقط من شدة الانفجار.

التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في تقريره المعنون بـ"تفجير المنازل... إرهاب من نوع آخر في اليمن"، أكد مسؤولية مليشيات الحوثي عن تفجير (898) ممتلكات خاصة ومنشأة عامة، حيث تم تفجير (753) منزلاً سكنياً، و(45) مسجدًا ودوراً للقرآن، و(36) مدرسة ومرفقا تعليميا، و(27) مركزا ومحلا تجاريا، و(12) مزرعة وبئر ماء، و(11) مقرا حزبيا.

واستمرت التقارير والبيانات الحقوقية المنددة بجرائم مليشيات الحوثية في تفجير المنازل، كان آخرها ما جاء في التقرير التاسع عن أعمال اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، والذي كشف عن رصد اللجنة لـ40 حالة ادعاء بتفجير المنازل، تنفرد جماعة الحوثي بهذا النوع من الانتهاكات. كما وثقت اللجنة خلال الفترة نفسها واقعة انتهاك واحدة في محافظة شبوة للطائرات الأمريكية بدون طيار (الدرونز)، قُتل بسببها طفل واحد.