كتابات وآراء


الثلاثاء - 23 ديسمبر 2025 - الساعة 09:04 م

كُتب بواسطة : د. عيدروس نصر - ارشيف الكاتب


فكرة إعادة النظر في الموقف من الجماعة الحوثية والتعايُش والتحالُف معها ليست جديدة، فليس من بين الأحزاب اليمنية التي "تؤازر" أو تدَّعي أنها "تؤازر" الشرعية من ليس لديه فرع أو رموز قيادية تتعامل مع السلطات الحوثية كأمر واقع وتتعايش مع هذا الوضع وتعمل تحت مظلته.
ويتخذ هذا النوع من التعايش والتعامل من قبل القوى السياسية اليمنية مع السلطات الحوثية المستويات التالية:
1. مستوى القبول بالأمر الواقع والتعايش معه والعمل في ظله بعد فقدان الأمل في إمكانية تغيير الوضع في ظل الفشل الذريع والخيبات المتواصلة التي برهن رموز شرعية النازحين عن امتلاكهم مؤهلاتها النادرة الوفرة؛
2. مستوى التنسيق والقبول بشروط حكم الجماعة، وتحاشي الإجهار بهذا الموقف إلا عند الضرورة القصوى حينما يكون الشعار هو "محاربة الإمبريالية والصهيونية"؛
3. مستوى الشراكة والمساهمة في الفكرة والفعل، كما يجري مع التيار المؤتمري المقيم في صنعاء والذي كان شريكاً فعالاً، بل وصانعاً مبتكراً لفكرة الانقلاب على السلطة الشرعية، قبل أن ينقسم إلى تيارين بعد تصفية زعيمه على يد الجماعة إياها.
وبالتالي فإن الدعوة إلى التحالف مع الجماعة الحوثية تحت حجة حماية "الوحدة اليمنية"، ليست جديدة والجديد فيها هذه المرة أنها تأتي بصورة علنية بعيدا عن التخفِّي وراء المفرات الزئبقية والمطاطة، وأنها تأتي ممن يفترض أنهم غير مستفيدين من "وحدة الحرب والضم والإلحاق والنهب والسلب" الذي تعرض له الجنوب بسبب هذه "الوحدة" المعوجة، الخائبة، والتي يعلم حتى أدعياء الدفاع عنها أن إعادة بث النبض في عروقها قد أصبحت مستحيلة كاستحالة طلوع الشمس في منتصف الليل؟
وفي كل الأحوال فإن التحولات الهامة التي شهدها شهر ديسمبر الجاري على أرض الجنوب، تفرض على الجنوبيين أن يكونوا متوقعين لشتى الاحتمالات من أسوأها إلى أقلها سوءاً، فالانتصارات ليست فقط مكاسبَ بل مسؤوليات وتحديات إضافية ينبغي أن يكون الجنوبيون قد وضعوا لها مختلف الاستعدادات، ويؤسفني أن بعض الذين كانوا في مواقف أقل عدائية تجاه الجنوب وهو يمر بأحلك ظروف المواجهة السياسية وأكثرها اختلالاً في توازن القوى لغير صالح قضيتهم العادلة، ينتقلون اليوم وفي الوقت الخطأ إلى صف الأكثر تطرفاً في معاداة الحق الجنوبي الذي يزداد تجذراً في الداخل وحضوراً في المحافل الدولية والإقليمية.
وبالعودة إلى موضوع الدعوة إلى "التحالف مع الحوثيين" فإن الإخوة الشرعيين الذين يتحمسون لهذه الدعوة أو من ظلوا يعملون متخفيين أو معلنين تحت مظلة الحوثيين ينسون أو يتناسون ثلاثة أشياء قد أصبحت واضحة لكل ذي عينين، وهي:
1. إنهم يتناسون أن الحوثيين وشركاءهم هم من دمروا الوحدة اليمنية، وصنعوا وضع الدولتين، وإنهم (أي المتحمسون) يعيشون على أرض الجنوب، ويتحكمون في شعب الجنوب، ويتغذون على ثروات الجنوب، وذهابهم إلى الحوثي سيخفف عن الجنوب والجنوبيين الكثير من الأعباء ، ويحررهم من شروط الارتباط بشرعية الفشل والفساد.
2. يتناسى هؤلاء أن الحوثيين لا يقبلون شركاء، بل قد يقبلون أتباعاً، لكن بشروطهم وتحت رعاية المشرفين عليهم، وقد قالها ثاني زعماء الجماعة، إن على النائمين في الفنادق أن لا يحلموا بالعودة ليحكموا؛ فقد حُرِمَت عليهم، وعلى من نسي أن يتذكر المصير الذي آل إليه الرئيس السابق الذي راهن على التحالف مع الجماعة ودفع حياته ثمناً لهذا الرهان المغامر.
3. الذين يتحمسون للذهاب إلى الحوثي يتناسون أنهم جزء من التحالف العربي ضد الجماعة الحوثية ونصرة "الشرعية" وهم بذهابهم إلى الحوثي قد يهربون من سلطة خائبة فعلاً ولا تختلف عن الحوثيين في فشلها وفسادها وحتى أهليتها للطغيان والاستبداد، لك ما أبقاها على قيد الحياة هو ارتباطها بالتحالف العربي، وما تسميه بـأنها "المـعترف بها دوليا".
ويبقى السؤال للأصدقاء والأشقاء الذين يدعون إلى التحالف مع الحوثيين تحت حجة "حماية الوحدة اليمنية": ما هي "الوحدة اليمنية" التي ستدافعون عنها من خلال هذا التحالف، هل وحدة 22 مايو التي دهستها دبابات ومدافع الاحتلال والاجتياح وحولتها إلى ركام، ودمرتها سياسات الضم والإلحاق والسلب والنهب والتمييز والإقصاء، أم وحدة 7/7 الباطلة التي ماتت يوم 26 مارس 2015م حينما سلم منتصرو 1994م عدن والجنوب للقادمين من كهوف مطرة ومران، ثم ما شكل النظام الذي تنوون إقامته لهذه "الوحدة" وأرجو أن لا يقول أحدكم "وفق المرجعيات الثلاث" لأن هذه المرجعيات قد ماتت وشبعت موتاً يوم إن وقعتم ما أسمي بـ"اتفاق السلم والشراكة" ولم يعد في الشمال (ناهيك عن الجنوب) ولا في الإقليم والعالم من يتحدث عنها؟
وبالنسبة للجنوبيين فإننا ننتظر بلهفة اليوم الذي يعلن فيه رشاد العليمي وزملاؤه عقد تحالفهم المعلن مع الحوثيين، ليتحرر الجنوبيون من القيود السياسية والإنسانية والأخلاقية التي يفرضها عليهم بقاء شراكة الـ"قسمة الضيزى"، مع هؤلاء الشرعيين المتطفلين.
همسة:
"سقطة الجمل" ليست كسقطة الأرنب أو السنجاب أو أي كائن خفيف الجسم مرن التركيب، بل هي سقطة تقرب من الموت أو الإعاقة المزمنة، لأن الجمل لا يستطيع بعدها استعادة حالته كما كانت ما قبل السقطة.