الأربعاء - 05 سبتمبر 2018 - الساعة 11:51 م
كتبت مرارا عديدة عن مفهوم "العصيان المدني"، وكنت دوما أرتأي أن هناك خلطاً غير مقصود بين مفاهيم عديدة من معاني المعارضة السلمية والتي تشمل الاعتصام والمسيرات الجماهيرية والمهرجان الاحتجاجي، والإضراب عن العمل وأخيرا العصيان المدني، وكنت دوما أرى أن العصيان المدني لا يصلح اعتماده كوسيلة نضالية في بلادنا لعدة أسباب منها:
أولا: العصيان المدني يعني الإضراب الشامل الذي لا يتوقف إلا بتنفيذ مطالب القائمين عليه ويشمل توقف المصالح والشركات والمصانع والمؤسسات بما في ذلك الوزارات والمصالح الحكومية عن العمل، ويعتمد غالبا في البلدان التي تكون فيها الحياة الاقتصادية منتظمة وتعمل فيها المرافق الإيرادية بمستوى رفيع يساعد على رفد موازنة الدولة بالمليارات، فيؤدي العصيان المدني إلى توقف العملية الاقتصادية وانهيار العمليات الإيرادية المالية وشل نشاط الحكومة ومن ثم سقوطها، وفي بلادنا لا توجد شروط لهذا النوع من الفعل الاحتجاجي.
ثانيا: ليس من العصيان المدني قطع الطرقات وإشعال النيران وتعطيل المرافق الخدمية، لأن هذا النوع من النشاط (ولو كانت أهدافه نبيلة) يستخدم وسائل ليست نبيلة ولا يتضرر منه سوى المواطنين البسطاء وغالبا المعدمين الذين يعتمدون على مرافق الخدمة العامة على ضآلتها وتدني مستوى خدماتها.
ومن هنا فإن العمل الاحتجاجي الفعال المناسب لوضعية بلادنا هو الاعتصام السلمي أمام مرافق الإدارة الحكومية بما في ذلك مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، بما يمكن أن يصاحبه من فعاليات ميدانية مثل الفعاليات الخطابية وحملات التوعية السياسية والمسيرات الجماهيرية السلمية وما شابهها شريطة أن:
1. لا تتعرض للمصالح العامة من مستشفيات ومدارس ومرافق خدمية أخرى.
2. لا تقطع الطرقات ولا تمس مصالح المواطنين المباشرة.
3. لا تؤدي إلى أزمة تموينية ترتفع معها معاناة الفقراء فوق ما يعانون من سوء أداء الحكومة وأجهزتها العميقة والعادية.
4. وحتى لو اضطرت الفعالية بموافقة أصحاب الشركات والمحال التجارية إلى إغلاق هذه المرافق كرسالة رمزية فيجب أن يكون هذا مؤقتا وبموافقة أصحاب الشأن الذي يعانون مثلما يعاني بقية المواطنين.
5. لا يكون الإكراه واستخدام السلاح وسيلة من وسائل هذه الفعاليات السلمية.
إن العصيان المدني لا يأتي إلا كعملية نهائية تشترك فيها كل الفعاليات المهنية والمدنية والنقابية والسياسية والمؤسسات الرأسمالية التجارية والخدمية وسواها مما لا يزال نشاطها قائما في البلاد، لغرض التضييق على الحكومات الفاسدة وإجبارها على التنحي، وليس لتنفيس غضب الساخطين وإشباع رغبتهم في التعبير عن استيائهم.
في بلادنا توجد مشكلتان رئيسيتان تدفعان الناس إلى الغضب والتعبير عن السخط واللجوء إلى مختلف أشكال الاحتجاج والرفض هما:
• حكومة فاسدة لم تترك موبقة من موبقات السوء والفساد إلا وارتكبتها بدءً بسرقة مستحقات موظفي الدولة والاستيلاء على المواد الإغاثية وانتهاء بقتل المحتجين والمتظاهرين، وهي وريثة ورثها القائمون على هذه الحكومة من معلمهم الأول.
• هذه الحكومة لا وجود لها على الأرض ومعظم (إن لم يكن كل) وزرائها ونوابهم ووكلاؤهم يعيشون مرفهين في الخارج، ولا يعرفون شيئا عن حياة المواطنين البسطاء أو حتى غير البسطاء، وبالتالي فهم لا يتضررون من أي عمل احتجاجي يقدم عليه الشارع الشعبي.
ومن هنا فإن الوسيلة المثلى المتوفرة لدى المتضررين من هذا النوع من الحكومات هو استخدام الشارع حقه الدستوري في التصدي لهذا النوع من السياسات لهذا النوع من الحكومات من خلال الاعتصامات المهرجانات والمسيرات السلمية التي لا تمس مصالح المواطنين بأي سوء ولا تقدم خدمة مجانية لأساطين الفساد لاتهام الشارع بالشغب والفوضى ونقل التهمة من الجلاد إلى الضحية.
ويبقى سؤال واحد موجه إلى رئيس الجمهورية: لماذا الإصرار على التمسك بهكذا حكومة عاجزة (وقد يكون عجزا متعمدا ومقصودا) عن القيام بمهمة عاقل حارة من العقال ضعيفي الأداء في التعاطي مع أبسط حقوق سكان الحارة؟ وحتى متى تتوقع أن الشعب سيصبر على عجز وفشل وفساد وإجرام حكومتك التي يخجل من الدفاع عنها كل من لديه ذرة من فضيلة الخجل والإحساس بالألم والعار؟!!