كتابات وآراء


الأحد - 14 ديسمبر 2025 - الساعة 08:19 م

كُتب بواسطة : خالد اليماني - ارشيف الكاتب


جنوب يمني مستقر ومتحالف مع الغرب سيسهم في تأمين الممر المائي الحيوي من دون الحاجة إلى نشر قوات أمريكية في الخليج

شكل تحرّك المجلس الانتقالي الجنوبي لترسيخ سيطرته في حضرموت والمهرة نهاية لآخر وجود عسكري لفصائل محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين والمتعاونة مع الحوثيين، وأكّد ما يدركه معظم المراقبين المنصفين منذ سنوات: اليمن لم يعد دولة موحّدة. فقد انهارت أوهام وحدة 1990 أولاً خلال حرب الشمال ضد الجنوب عام 1994، ثم انهارت مجدداً عندما استولى الحوثيون المدعومون من إيران على صنعاء في عام 2015.

اليوم، يوجد على الأرض كيانان سياسيان متمايزان. ففي شمال اليمن، رسّخ الحوثيون نظاماً ثيوقراطياً متحالفاً مع إيران، معادياً للولايات المتحدة ولمصالح الأمن الغربي. وينسق نظام الحوثيين مع الحرس الثوري الإيراني، ويُيسّر نقل الأسلحة، ويتواطأ مع جماعة الإخوان المسلمين، ويفتح المجال أمام النفوذ الروسي والصيني في الفضاء البحري للمنطقة.

أما في جنوب اليمن، فيدير المجلس الانتقالي الجنوبي أراضي ما كان يعرف سابقاً بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وهو يؤمّن الموانئ الرئيسية، ويكافح تنظيم القاعدة، ويعترض عمليات تهريب السلاح بين إيران والحوثيين. والأهم من ذلك، أنه يحمي مضيق باب المندب، أحد أهم نقاط السيطرة البحرية في العالم.

وتوفّر الموانئ الاستراتيجية في عدن والمكلا، إلى جانب جزر بريم عند مدخل البحر الأحمر وسقطرى، إمكانات فريدة. فهذه مواقع موثوقة ومستقرة للخدمات اللوجستية البحرية، ومكافحة الإرهاب، وإتاحة الوصول البحري للقوات الأمريكية — وهي أكثر اعتمادًا بكثير من أي مرافق تقع في بيئات غير مستقرة أو خاضعة للتأثيرات الإيراني.

وتُحدّد استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الصادرة حديثاً عن البيت الأبيض أولويات تتوافق تماماً مع ما يقدّمه جنوب اليمن: حماية سلاسل الإمداد العالمية؛ تأمين الممرات البحرية الحيوية؛ مكافحة الإرهاب وجماعة الإخوان المسلمين؛ كبح أذرع إيران؛ ومنع الصين وروسيا من توسيع نفوذهما في البحر الأحمر وخليج عدن.

إن وجود إدارة مستقرة ومتحالفة مع الغرب في جنوب اليمن يسهم في تأمين الممر المائي بالغ الأهمية من دون الحاجة إلى نشر قوات أمريكية، أو الاعتماد على الحلفاء الاقليميين في الخليج. فالقوات الجنوبية تتعاون بالفعل مع البحرية الأمريكية، وتتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن شبكات الإرهاب والتهريب، وتقاوم بنشاط النفوذ المزعزع للاستقرار لكل من إيران وجماعة الإخوان المسلمين.

والأهم، أن عدن وسقطرى تمثلان منصات آمنة ومناسبة للمراقبة البحرية، والدعم اللوجستي، والرسو الاضطراري، والعمليات الاستخباراتية، بما يعزّز مرونة البحرية الأمريكية في البحر الأحمر وغرب المحيط الهندي. وبالنسبة لإدارة أمريكية تسعى إلى استعادة أمن الملاحة، وردع إيران، ومنافسة الصين وروسيا، وتعزيز موقع الولايات المتحدة في البحر الأحمر، فإن دعم مسار منظّم نحو قيام دولة جنوبية يشكّل مكسباً استراتيجياً عالي الأثر ومنخفض الكلفة.

وقد طرح رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، رؤية تدريجية وقانونية تتجنّب الفوضى وتنسجم مع التوافق السعودي – الإماراتي.

وبدعم من دول الخليج، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين تعديل اتفاق الرياض ٢٠٢٢، لإضفاء طابع رسمي على إدارة المجلس الانتقالي الجنوبي لكامل جنوب اليمن. فالإدارة الذاتية لا تُنهي الوحدة بين ليلة وضحاها، بل تحوّلها إلى ترتيب تعاقدي بين طرفين مؤسسين. ويتيح ذلك وقتاً لبناء المؤسسات، ويمهّد الطريق لعملية سياسية مستقبلية معترف بها دولياً، بما في ذلك إجراء استفتاء على تقرير المصير بعد خمس إلى ست سنوات.

وإذا ما استمر اليمن في التفكك تحت سيطرة الحوثيين، فإن استفتاءً جنوبياً بإشراف الأمم المتحدة، على شاكلة الاستفتاء الذي أكد استقلال البحرين ١٩٧٠، يمكن أن يترجم الإرادة الشعبية إلى شرعية قانونية معترف بها دوليًا. وستعالج المفاوضات اللاحقة قضايا الحدود، والالتزامات، والترتيبات الاقتصادية، وأمن الملاحة البحرية.

أما البديل، فهو واقعٌ يتشكّل من دون أي تأثير أمريكي. فالإعلان الأحادي لاستقلال الجنوب يظل ممكناً من الناحية القانونية، كما أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري بشأن كوسوفو. غير أن الإقدام على هذه الخطوة من دون دعم سعودي – إماراتي واضح، ومن دون التزام أمريكي، ينطوي على مخاطر حقيقية، إذ قد يخلق فراغاً ستسارع إيران إلى استغلاله، بما يوسّع نفوذها في البحر الأحمر، ويهدد حركة الملاحة العالمية، ويفتح المجال أمام الصين وروسيا لتوسيع حضورهما البحري.

أمام واشنطن، إذن، خياران لا ثالث لهما: إما أن تُسهم في تشكيل مآلات المشهد في جنوب اليمن، أو أن تقبل بنتائج يصوغها الآخرون.

إن تبنّي موقف أمريكي حاسم يدعم مساراً مُراقَباً نحو قيام دولة جنوبية من شأنه أن يعيد تأكيد القيادة الأمريكية في واحدة من أكثر الساحات البحرية تنافساً في العالم؛ ويُقَلِّص النفوذ الإيراني بأدنى كلفة ممكنة على الولايات المتحدة؛ ويواجه تنامي اهتمام الصين وروسيا بالبحر الأحمر؛ ويعزّز الاتفاقيات الإبراهيمية ويوسّعها، مع استعداد جنوب اليمن للانضمام إلى منظومة إقليمية للسلام؛ ويحمي طرق التجارة العالمية من دون نشر قوات أمريكية؛ ويحقق انتصاراً استراتيجياً يُصحّح عقوداً من الافتراضات الخاطئة بشأن وحدة اليمن.

وبالنسبة للإدارة الأمريكية التي تلتزم بتحقيق السلام عبر القوة، وتأمين الموقع البحري للولايات المتحدة، وتحقيق مكاسب في تنافس القوى الكبرى، فإن قيام جنوب يمني مستقر وموالي للولايات المتحدة يُعد فرصة تاريخية لا ينبغي للرئيس دونالد ترامب أن يفرّط فيها.

"مرصد منتدى الشرق الأوسط".