السبت - 15 نوفمبر 2025 - الساعة 02:15 م
بينما يستمر التردد الدولي، يتحول متمردو اليمن المدعومون من إيران من حركة محلية إلى قوة مهددة للأمن العالمي
في السابع من نوفمبر 2025، ألقى عبد الملك الحوثي كلمة "عبر الفيديو" في المؤتمر القومي العربي الرابع والثلاثين في بيروت، لم يتحدث فيها بصفته قائداً متمرداً، بل بصفة المنتصر الذي يفاخر بإنجازاته العسكرية خلال العامين الماضيين. فقد تحدث عن أكثر من ألف وثمانمائة عملية تضمنت صواريخ باليستية ومجنحة وطائرات مسيّرة وهجمات بحرية، وقال إن مئتين وثمانٍ وعشرين سفينة تابعة لما اسماها “دول معادية” قد تم استهدافها، وأنه أجبر إسرائيل، على حد زعمه، على إغلاق ميناء إيلات لمدة عامين. كما ادعى أن قواته أسقطت اثنتين وعشرين طائرة أميركية مسيّرة من طراز “إم كيو-9”، وواجهت خمس حاملات طائرات أميركية في البحر الأحمر، وأجبرتها على الانسحاب بفضل ما سماه “تكتيكات يمنية فعالة”.
وعلى الرغم من المبالغة في هذه الادعاءات، فإنها تكشف عن قناعة داخل حركة الحوثيين بأنهم تجاوزوا حدود الحرب الأهلية اليمنية ليصبحوا فاعلاً إقليمياً، إن لم يكن عالمياً. ولم يكن خطاب الحوثي موجَّهاً إلى اليمنيين، بل إلى المجتمع الدولي، في رسالة تحدٍ مفادها أن حركته أصبحت رأس الحربة في ما يسمى بمحور المقاومة الإيراني، القادر على تهديد طرق الملاحة الدولية.
إن التردد والانقسام اللذين يطبعان الموقف الدولي لا يؤديان إلا إلى تعزيز الانطباع بصعود الحوثيين، سياسياً على الأقل إن لم يكن عسكرياً.
ومنذ انحسار حرب غزة، استعادت آلة الدعاية الحوثية زخمها، وأخذت تصدر تهديدات جديدة تجاه دول المنطقة. وتشير تسريبات دبلوماسية إلى وجود مفاوضات غير معلنة بين الجماعة وبعض الأطراف الإقليمية، يُقال إنها تتضمن تنازلات اقتصادية ولوجستية، من بينها إنشاء شركة طيران تابعة للحوثيين، وإعادة تشغيل الموانئ الثلاثة في الحديدة، وتخفيف بعض العقوبات. وتشير مثل هذه التحركات إلى تحول خطير من سياسة الاحتواء إلى سياسة الاسترضاء، من حيث أنها تمنح الجماعة شرعية، وتعمق نفوذ تسعى إيران إلى توسيعه من خلال وكلائها الإقليميين.
وفي تقرير صدر في 15 أكتوبر 2025، أكد فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة أن تدفق الأسلحة إلى الحوثيين مستمر عبر شبكات تهريب بحرية وبرية في خرق للحظر الأممي المفروض. واكد التقرير وجود بصمات تصنيع إيرانية على الأسلحة المصادرة، ووثّق الدعم المالي والفني والتدريبي الذي يقدمه الحرس الثوري الإيراني وحزب الله. وخلص الخبراء إلى أن حظر الأسلحة المفروض على اليمن أصبح في معظمه “رمزياً”، في ظل ضعف إجراءات التفتيش الأممية، وانسحاب الدوريات البحرية الدولية.
ولم تعد التحذيرات من الخطر الحوثي محصورة داخل حدود اليمن. ففي كلمة ألقاها وزير الخارجية القبرصي قسطنطينوس كومبوس في مؤتمر حوار المنامة في السابع من نوفمبر 2025، وصف الحوثيين بأنهم تهديد دولي متنامٍ للأمن البحري. وأكد أن قبرص، التي ستتولى الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي في النصف الأول من عام 2026، معنية مباشرة بحماية الملاحة لثلاثة أسباب رئيسية: امتلاكها أحد أكبر الأساطيل التجارية في العالم وثالث أكبر أسطول في الاتحاد الأوروبي، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يربط الشرق الأوسط بأوروبا، ووقوع اثنتي عشرة حادثة بحرية مرتبطة بالحوثيين أضرت بمصالح الشحن القبرصية خلال العامين الماضيين.
وأشار كومبوس إلى أن الحوثيين حوّلوا العدوان البحري إلى أداة للدعاية الاستراتيجية، يقدمون أنفسهم من خلالها كمدافعين عن القضية الفلسطينية، عبر الاعتماد على هجمات منخفضة التكلفة عالية التأثير أدت إلى انخفاض حركة الملاحة عبر قناة السويس والبحر الأحمر بنحو ستين في المئة. وحذّر من مفارقتين خطيرتين: الأولى أن الأثر المحدود على سلاسل الإمداد خلق إحساساً زائفاً بالسيطرة، والثانية أن الاتحاد الأوروبي، رغم استمراره في فرض العقوبات على روسيا، إلا أنه أبقى البحر الأحمر “نقطة عمياء” في استراتيجيته العامة.
وعلى الرغم من أن الوزير القبرصي وصف فشل أوروبا في تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية بأنه “تناقض استراتيجي” ينبغي تصحيحه، إلا أنه لم يتطرق إلى التناقضات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن التهديد الحوثي الذي بات يهدد الأمن الأوروبي والعالمي معًا.
ومن العوامل غير المعلنة التي تفسر بطء الرد الأوروبي في صياغة استراتيجية الدفاعية، وجود قناعة ضمنية في مراكز القرار الأوروبي بأن الولايات المتحدة ستتولى في نهاية المطاف نشر القوة البحرية والموارد اللازمة، كما فعلت في عملية “رف رايدر” والضربات اللاحقة، لمنع إغلاق الممرات البحرية العالمية، مما يسمح لأوروبا باستغلال الإنفاق الأمني الأميركي دون أن تتحمل التكاليف أو المخاطر.
وفي الوقت نفسه، يمر مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الذي أُنشئ في أبريل 2022 ليحل محل الرئيس عبدربه منصور هادي، بأضعف مراحله وأكثرها انقسامًا. فالفصائل المكوّنة له تتبع أجندات متضاربة بدلاً من توحيد الصف لاستعادة صنعاء أو إعادة سلطة الدولة. وفي هذا الفراغ، يبرز عبدالملك الحوثي، مستفيداً من الدعم الإيراني المستمر، والتهاون الدولي، وسعي دول الإقليم إلى التهدئة بأي ثمن.
ولا تزال الفصائل اليمنية الشرعية الوحيدة التي تقف في وجه الحوثيين، هي المجلس الانتقالي الجنوبي، وألوية العمالقة الجنوبية، والمقاومة الوطنية التي تسيطر على المناطق المحيطة بالمخا جنوب الحديدة. وقد اعترضت هذه القوى خلال الأشهر الماضية ومازالت عدة شحنات من مكونات الصواريخ والطائرات المسيّرة كانت في طريقها إلى مناطق الحوثيين. وتكشف هذه النجاحات المحدودة الحاجة الماسة إلى دعم دولي منسق لمنع ترسيخ قوة الحوثيين.
لقد أصبح المسار واضحاً: حركة كانت محاصرة في جبال صعدة تحولت إلى قوة عابرة للحدود تؤثر في أمن البحر الأحمر وخليج عدن وخطوط الطاقة العالمية. وإذا استمر المجتمع الدولي في سياسة الاسترضاء والاحتواء بدل المواجهة، فإن الحوثيين سيجنون ثمار المشهد الذي أعقب حرب غزة، كما استغلوا سابقاً لحظات انشغال العالم بأزمات أخرى.
إن ما يجب إدراكه بشأن الحوثيين هو أن بقاءهم – وربما اتساع نفوذهم – يعكس تحولاً أعمق نحو عودة اجواء شبيهة بأجواء الحرب الباردة جيوسياسياً، حيث تتنافس القوى الكبرى عبر تأجيج الصراعات الإقليمية والحروب بالوكالة.
إن الفشل في تفكيك حركة الحوثيين سيمثل خضوعًا للتوسع الإيراني في الشرق الأوسط. والسؤال الملح لم يعد ما إذا كان الحوثيون قادرين على الانتصار، بل ما إذا كان العالم قادرًا على تحمّل كلفة انتصارهم
انتهى
منشور في عدد يوم الخميس ١٣ نوفمبر ٢٠٢٥ في مرصد منتدى الشرق الأوسط، في واشنطن