كتابات وآراء


الخميس - 11 سبتمبر 2025 - الساعة 11:43 م

كُتب بواسطة : د. عيدروس نصر - ارشيف الكاتب


أثارت القرارات التي أصدرها يوم أمس الأخ اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، عاصفة من الصخب الإعلامي عبر وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية وعبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي بين مؤيدين بحماس منقطع النظير ومنددين بشدة ووضوح وقلة قليلة من المتسائلين والمحللين:
وقبل أي خوض في موضوع تلك القرارات ينبغي طرح سؤالين، على القارئ الكريم أن يبحث عن إجابة عنهما وهما:
1. هل هذه القرارات معزولة عما قبلها من الوقت وما سيليها من المواقف والقرارات؛ أم إنها ذات صلة بما مضى وإنها تمثل مقدمة لحزمة قادمة من القرارات والتعيينات وأي إجراءات سياسية وإدارية واقتصادية محتملة؟
2. والسؤال الثاني هو من الجهة التي أصدر اللواء الزبيدي هذه القرارات باسمها؛ هل هي المجلس الانتقالي الجنوبي أم إنها مجلس القيادة الرئاسي باعتبار الأخ اللواء الزبيدي نائبا لرئيسه؟ فعلى الرغم من شكلية هذا السؤال تبقى معرفة الإجابة عليه مهمة لمن يتابع التفاعلات التي ستترتب على صدور هذه القرارات.
أحد الزملاء الناشطين الجنوبيين الأكاديميين المقربين من المجلس الانتقالي الجنوبي بعث يسألني عن رأيي في تلك القرارات فقلت له إن رأيي يتوقف على الرد على مجموعة من الأسئلة وفي ضوء السؤالين الذين تعرضت لهما في مطلع المنشور وأهم هذه الأسئلة:
1. ما أهمية المواقع التي جرى فيها تعيين الأسماء الواردة في قرارات التعيين، بالنسبة إلى القضية الجنوبية ومعاناة أبناء الجنوب مع الشرعية المستوردة
2. ومع إن الكثير من الأسماء الواردة في قرارات التعيين جديدة ومجهولة يظل السؤال: هل هذه الأسماء هي أفضل ما لدى المجلس الانتقالي، وبالتالي ما لدى الجنوب من الكفاءات والمؤهلات والتخصصات؟
3. ما مدى مشاركة أو عدم مشاركة الشركاء الشماليين في اتخاذ هذه القرارات وماذا ستكون ردود أفعالهم في قرارات تخص محافظات الجنوب والمؤسسات الجنوبية؟
4. ماذا نتوقع من رأي للأشقاء في دولتي التحالف العربي الشقيقتين إزاء هذه القرارات على ضحالة ومحدودية أهميتها؟
وسأحتفظ بالسؤال الخامس لتناوله في سياق مناقشتي.
وفي رأيي الشخصي وأنا كما يعلم الجميع من دعاة استقلالية القرار الجنوبي، حتى في إطار الشراكة التي فرضت على الجنوب في مشاروات الرياض، فإنني كنت وما زلت أؤَكد أن وضعية الشراكة القائمة يجب أن تصب في ترجيح كفة الصوت الجنوبي أي أن يكون صاحب الصوت الجنوبي هو المتنفذ وهو المحدد والمقرر لــ(ماذا ينبغي وماذا لا ينبغي أن يتخذ) من القرارات والسياسات والمواقف والتعيينات، لكن هذه الشراكة بكل أسف تمخضت عن إلغاء الدور الجنوبي وحولت الجنوب إلى شريك قوي في العطاء ضعيف في حصد النتائج، وبدا للكثير من الجنوبيين من ضحايا التجويع والتعذيب والحرمان أن المجلس الانتقالي الجنوبي قد تحول إلى شريك في عذابات الجنوبيين أو في صنع معاناتهم بسبب وجود ممثليه في أعلى هيئات السلطة الشرعية دون التأثير على مدى المعاناة التي يتعرضون لها.
ومع إن الأمر قد لا يكون كذلك، لكن عدم فعل المجلس شيئا يخفف من معاناة الجنوبيين قد وسع دائرة السخط ضده وقلص من دائرة جماهيريته، أما الشركاء الشماليين فليس لديهم ما يتضررون منه إذا ما غضب الشارع الجنوبي أو رضي، بل بالعكس إنهم سعداء بتنامي السخط ضد المجلس الانتقالي الجنوبي حتى لو كانوا هم السبب في اتساع دائرة هذا السخط والاستياء، فحاضنتهم الجماهيرية هي تحت سيطرة الجماعة الحوثية، ولم يعد لديهم ما يخسرونه.
ولذلك فقد كررت مراراً في معظم منشورات ورسائل الفيديو التي بثثتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أنه إما أن يكون المجلس الانتقالي شريكاً فاعلاً في هذه الشرعية أو أن يخرج إلى المعارضة وموقع المجلس الانتقالي كمعارض أفضل له ولجماهيريته من موقعه كشريك غير فاعل وغير مؤثر في صيرورة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أرض الجنوب. واتفاق الرياض أو بقية اتفاقات الشراكة ليست قرآناً كريماً غير قابل للتجاوز حتى نظل نخشى الخروج عنها أو تجاوز القدسية الزائفة التي منحوها، . . .واقصد بالشريك الفاعل أن يكون الشريك الجنوبي هو من يحدد السياسات والقرارات وأسماء الكوادر والقيادات، وأن يكون معبراً عن ملايين الجنوبيين الذين يكتوون بنيران الغلاء والحرمان وغياب الخدمات وغياب الأمن وغياب الحياة المؤسسية وكل ما يشير إلى وجود الدولة.
وأخيراً هناك ثلاث ملاحظات أرى فيها غاية من الأهمية في هذه اللحظة وهي:
1. لقد تركزت القرارات الصادرة عن الأخ اللواء عيدروس الزبيدي على مواقع هامشية وشكلية وبعضها مجرد أسماء بلا مهمات محددة، وبعض المعينين سيضاف إلى ثلاثة أو أربعة أمثاله لا يعملون شيئاً، وأتوقع (بل أتمنى) أن القرارات القادمة لا بد أن تركز على المؤسسات والهيئات الإيرادية والاقتصادية والمالية التي ما يزال يتحكم بها الغرباء أو وكلاؤهم.
2. إن جدوى وأهمية القرارات المتخذة وأية قرارات قد تتخذ ينبغي أن يؤخذ بالحسبان عند اتخاذها التصدي لتهمة ما انفك خصوم المجلس الانتقالي يكررون تصديرها ضد المجلس بالحق والباطل، وأقصد بها تهمة المناطقية، وفحوى هذه الملاحظة أن التعيينات وسياسات الكادر عامةً يجب أن تراعي عنصر الكفاءة والتخصص من ناحية وعنصر التوزيع العادل للمهمات على مختلف محافظات ومديريات وجهات ومناطق الجنوب وأطيافه السياسية والاجتماعية والمهنية والجغرافية.
3. إن التصدي لظاهرة الفساد يجب أن يكون نصب عيني متخذ القرارات وصانعها، وما أقصده هو إنه لا يمكن أن نستبدل الفاسد المعادي للقضية الجنوبية بفاسد (ولو ادّعي تأييده للقضية الجنوبية والمشروع الجنوبي) فوجود فاسد واحد في أي موقع قيادي حتى ولو كان هامشياً يكفي لتوجيه الاتهام لكل الهيئات المحسوب عليها بالفساد، وللأسف نحن ننتظر موقف أقوى وأكثر صرامة تجاه من تم ضبطهم في قضايا فساد وما يزالون يتصدرون المشهد السياسي للمحسوبين على المجلس الانتقالي.
ختاما:
القضية الجنوبية وهي قضية كل الجنوبيين بمختلف مناطقهم وجغرافياتهم وجهاتهم وقبائلهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية، قضية عادلة ومشروعة وذات أهلية، وملخصها استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة المتسعة لكل الجنوبيين، هذه القضية لا يمكن أن تنتصر بالمناطقية والجهوية أو بمجاميع الفاسدين والمتلونين وهواة اللعب على الحبال، وكما وباختصارٍ شديدٍ "إن الثائر لا يمكن أن يكون فاسداً والفاسد لا يمكن أن يكون ثائراً، فأنت إما أن تكون ثائراً أو فاسداً ولا يمكن أن تجمع بين الثورة والفساد في وقتٍ واحد وشخص واحد".