الجمعة - 12 ديسمبر 2025 - الساعة 06:40 م
مفردات حفظها الناس من فرط الاستهلاك، فخطابهم الإعلامي بلا تاريخ صلاحية، يُعاد تدويره في معاركهم ضد الجنوب، حتى امتلأ الفضاء العام بضجيج يظنّ أصحابه أنه يُلقى فوق أرض يسكنها شعب بلا جذور.
لا تخرج من أفواههم كلمة قادرة على إيقاظ ومضة محبة في قلب جنوبي واحد. لا يستثيرون فيه إحساساً بأخوّة حقيقية، ولا يزرعون في الذاكرة معنى نظيفاً للقربى أو للروابط.
يحتفون بتمزيق الجنوب وقطع جذوره، ويفقدون صوابهم كلما اقترب من لملمة أرضه وتحقيق حلمه. أيّ وحدة هذه؟ أهي التي جُرّبت ثم ماتت ساعة الميلاد؟ أم أنها سيكولوجيا الاستملاك المقنّع بشعارات الوحدة؟
اللغة التي يبثّونها ليست سوى نبرة تعالٍ واستبداد، نبرة مَن يرى أن الآخر يجب أن يبقى محكوماً بمعاييره ومفاهيمه وسردياته، وإلّا فسيلقى كل ما في قاموسهم من شيطنة وشتائم سياسية. يتحدث كلٌّ منهم باسم حزبه وموقعه ودوافعه، وكأنه وصيّ أو مفوَّض من السماء.
يخطب الحوثي قائلاً إنهم لا يرفعون شعار “الوحدة أو الموت”، بل إن “الوحدة قد تمت وإن الدفاع عنها قدرٌ مطلق”، ليجسّد بذلك انتقالاً من خطاب دموي إلى آخر أشد دموية. لا جديد لديهم.
وآخر يتحدث عن “مؤامرة التقسيم” وكأن الجنوب مقاطعة تابعة نشأت ضمن أطراف المتوكلية الهاشمية أو المتوكلية اليمنية، وثالث يتحدث عن “التمزيق” رغم أنهم مزقوا القلوب والعقول وأحرقوا الأرض، ورابع وعاشر حتى يتلاشى العدّ…
يتنافسون على إحياء خطاب الوحدة كما يريدونها حاضرة، وقد ماتت بعد النزف العظيم من الدم، ويتعاملون وكأن التاريخ مجرّد صفحة يمكن طيّها بأحاديث فارغة، أو جرح يمكن إخفاء ندبته بالإنكار. يتجاهلون أن العقل لم يعد يقبل سرديتهم، وأن الواقع بأحداثه الثقيلة وتحولاته العاصفة قد انقلب رأساً على عقب. إنه اليوم ليس مجرد امتداد لما قبل، بل عالم آخر مختلف ألف مرّة عمّا يروّجون له أو يتخيلونه.
لم يقولوا كلمة واحدة تُنبت الودّ أو تُشعر بالإنصاف، لم يعترفوا بأن الوحدة قامت بين دولتين، وأن أخطاءً كارثية وقاتلة ارتُكبت بحق الجنوب، وأن من حق شعبه أن يقرّر مستقبله، وأن خياره بالخروج أو بالبقاء خيار يُحترم إن تمّ بحرية… لا شيء من هذا قيل. بل وحدة بالقوة، بالدم، وبالشعارات القاتلة.
وهكذا… كل خطاباتهم تزيد الجنوب نفوراً.