الأربعاء - 08 أكتوبر 2025 - الساعة 09:35 م
شكّلت موافقة حركة حماس على مبادرة الرئيس دونالد ترامب في بيانها الصادر في الثالث من أكتوبر 2025 — والذي تضمّن “نعم” واحدة وكثيرًا من “اللاءات” — بداية النهاية لمسيرتها السياسية. وقدّمت المبادرة الأمريكية، التي حظيت بدعم فلسطيني وعربي وإسلامي واسع، فرصة نادرة لانتشال غزة من دوّامة العنف، وتحجيم أحد آخر أذرع إيران الإرهابية التي خنقت القطاع منذ انقلابها عام 2007، تاركة وراءها الخراب والموت.
وتدرك حماس اليوم أن لاءاتها لم تعد ذات معنى بعد أن وافقت السلطة الوطنية الفلسطينية ومعها العالم العربي والإسلامي على إخراج غزة من مستنقعها المأساوي، في إطار تعهّد الرئيس ترامب بخطة إعادة إعمار على غرار “مشروع مارشال” تفتح الطريق أمام مرحلة من السلام والازدهار.
في الأشهر الأولى من ولايته الثانية، سعى الرئيس دونالد ترامب وفريقه إلى حلّ النزاعات التي طالما وُصفت بأنها مستعصية. وهو اليوم من خلال معالجته أحد أكثر الصراعات إيلامًا واستعصاءً في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، يقدّم صورة جديدة لأمريكا، دولة تستعيد دورها كقوة من أجل السلام والتعاون والازدهار. وهي جهود تستحق تقديرًا دوليًا واسعًا.
ومع ذلك، ينبغي للإدارة الأمريكية أن تُكمل مهمة حاسمة أخرى بدأتها في المنطقة: عملية “الفارس الصلب” (Rough Rider)، التي صممت لإنهاء تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية. والتي توقّفت بعد وساطة عُمانية وتعهدات حوثية بوقف الهجمات في البحر الأحمر وخليج عدن. إلا أن الحوثيين عادوا ونكثوا بتلك الوعود.
وها هم اليوم يعودون للتهديد مجددًا، بل ويعلنون فرض “عقوبات” على شركات شحن أمريكية، في مشهد يعكس وهمهم بأنهم يشكّلون ركيزة في ما يسمى بـ”محور المقاومة” الإيراني. ولهذا، يجب أن تكون المواجهة شاملة، سياسية وأمنية ومستدامة.
الحوثيون لا يُبالون بمعاناة اليمنيين الواقعين تحت سيطرتهم؛ فالموت والتشريد والمجاعة لا تعني لهم شيئًا ما داموا يخدمون المشروع التوسّعي الإيراني. إن أي استراتيجية جادة يجب أن تخنق مصادر تمويلهم وإمداداتهم اللوجستية، وتقطع خطوط الإمداد برًّا وجوًّا وبحرًا. ويتطلب ذلك رقابة دولية على الموانئ والمعابر، وتوسيع نطاق عمل خفر السواحل والشرطة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، وتقديم حوافز عادلة للقوى الأمنية، وصولًا إلى تحييد نهائي لموانئ الحديدة الثلاثة التي تشكل شريانًا حيويًا للتهريب والتسليح الحوثي.
ومن دون هذه الإجراءات، سيبقى من المستحيل تفكيك شبكة التمويل والتسليح الحوثية الممتدة عبر إيران، وأحيانًا عبر الصين وكوريا الشمالية وروسيا، باستخدام موانئ ومسارات برّية تقع ضمن مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، إضافة إلى ممرات تهريب عبر القرن الأفريقي.
ومما يُحسب للقوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي ووحدات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، أنها نجحت مؤخرًا في إحباط محاولات تهريب متكررة، مما أثبت جدارتها كشركاء موثوقين للمجتمع الدولي، في مقابل تقارير تتحدث عن تواطؤ بعض الأطراف الداخلية مع الحوثيين.
ينبغي أن تستند الاستجابة الدولية إلى ثلاث أولويات رئيسية:
اولاً: على واشنطن أن تعمل على بناء تحالف عملي يضم دولًا إقليمية وغربية لتنسيق الجهود الأمنية، وفرض حصار لوجستي على الحوثيين، وتطبيق العقوبات بحزم.
ثانيا: يجب على الولايات المتحدة وشركائها تدريب وتحديث وتمويل وحدات خفر السواحل والقوات البحرية في خليج عدن، وتمكين الأجهزة الأمنية المحلية بالتعاون مع الدول المانحة للحد من التهريب.
ثالثا: لا ينبغي أن يُغفل التحالف المناهض للحوثيين الحاجة إلى مشاريع إغاثية وتنموية في المناطق المحرّرة، على أن تُربط هذه المشاريع بشبكات آمنة تمنع تهريب السلاح إلى الحوثيين.
إن هزيمة المشروع الحوثي ليست ترفًا، بل ضرورة أمنية دولية. واستكمال المهمة التي أطلقتها إدارة ترامب يتطلب إرادة سياسية تُعيد تمكين الشرعيات المحلية، وتُضعف وكلاء إيران والمتواطئين في المنطقة. فالإبقاء على الوضع الراهن لم يعد خيارًا.
المطلوب مقاربة شاملة ، سياسية وأمنية وإنسانية، تترافق مع التزامات صلبة من القوى الكبرى والدول الإقليمية على حد سواء. فإما إكمال المهمة والقضاء على التهديد الحوثي، أو تركها ناقصة وترقب دورة العنف تتجدد من جديد.
إنها مسؤولية جماعية، وتحت قيادة الرئيس ترامب، سيكون بالإمكان استكمال هذه المهمة تجسيدًا لوعد أمريكا ببناء شرق أوسط ينعم بالسلام والازدهار.