الإثنين - 21 يوليو 2025 - الساعة 07:48 م
ما لحق بعدن بعد الاستقلال عن الاستعمار البريطاني يشبه الى حد كبير ما لحق بالجنوب بعد حرب صيف عام 1994، سواء من حيث المظالم الحقوقية او اعمال النهب للممتلكات الخاصة والعامة او التهميش المتعمد لابناء عدن والاقصاء المباشر لهم من الوظائف الهامة والمراكز القيادية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
ما يشعر به غالبية الجنوبيين الان شعر به من قبل غالبية ابناء عدن من ظلم وحيف لحق بهم وبهويتهم وبأرضهم وممتلكاتهم بدواعي وحجج مشابهة لحجج النظام القائم حالياً، على اعتبار ان الوحدة خط أحمر وعودة الاصل للفرع وما الى هنالك. اشتكى ابناء عدن من نفس العنصرية البغيضة التي يشتكي منها الجنوبيون الان ومن الاحساس بالغربة في مدينتهم وعلى ارضهم مما دفع بعشرات الالاف من الكوادر واصحاب الكفاءات الى الهجرة خارج مدينتهم.
عدن بما كان لديها من مخزون اداري وتعليمي وكفاءات ابداعية في مجالات عدة وثقافة فريدة اكتسبتها من كونها مستعمرة بريطانية كان بإمكانها ان تكون قاعدة انطلاق للعديد من المشاريع النهضوية في الجنوب العربي ولكن ماحدث كان العكس تماماً. هذا التراث والمخزون الحضاري "العدني" هو نفسه مايفاخر به معظم الجنوبيون الان على اعتبار ان الجنوب كان دولة نظام وقانون ومؤسسات وان المجتمع الجنوبي كان مجتمعاً متسامحاً، مع ان الكل يعرف تفاصيل التاريخ الدموي لجمهورية الديمقراطية الشعبية. كذلك القول بان دولة الجنوب كان بإمكانها ان تصلح دولة اليمن الموحدة الجديدة لولا تخلف نظام صنعاء ودمويته، تشابه ليس بغريب بين حالتين متقاربتين زمنياً ولكن للأسف الشديد انها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
اقول ان التشابه ليس بغريب لان الظلم لا يولد عدلاً الا اذا ردت المظالم، والفساد لا ينتج عنه صلاح الحال الا بالمحاسبة الصادقة للنفس والاخطاء لاتصلح الا بالاعتراف بها اولاً وحل القضايا السياسية لايستقيم الا بالقراءة الصحيحة للأوضاع، فالذي يطالب بان تكون القضية الجنوبية هى الاساس لحل كل قضايا اليمن هل طرأ في باله ان هناك ايضاً قضية في عدن وقضية أخرى ربما في حضرموت تتشابهان في حيثياتهما تماماً مع حيثيات القضية الجنوبية.
لابد من وضع الامور في نصابها من اجل تصحيح الاوضاع للأجيال القادمة، ولذلك لاينبغى الخجل من تسمية الاشياء بمسمياتها فالقضية الجنوبية هى امتداد طبيعي لقضية قبلها مشابهه لها الى حد كبير تسمى القضية العدنية...من اراد ان يعرف ماهية هذه القضية العدنية فأسهل الطرق لها هو معرفة حيثيات القضية الجنوبية الان واستبدال مصطلح الجنوب بعدن. تزوير التاريخ بالادعاء بانه كانت توجد دولة قديمة تسمى الجنوب العربي وعاصمتها عدن هي محاولات بائسة لخلق هوية موهومة.
الاختلاف بين القضيتين هو ان القضية العدنية بسبب تقصير ابناءها توشك ان توضع على الرف اما القضية الجنوبية فلها من ينادي من اجل حلها استناداً على مبدأ القوة والغلبة المشابه هو ايضاً لاسلوب نظام الشمال، والحل للقضيتين ايضاً متشابه الى حد التطابق تقريباً. تماماً مثلما ينادي غالبية ابناء الجنوب بضرورة ان يحكم الجنوب ابناءه – من غير العدنيين طبعاً - ينبغي كذلك ونحن في عصر الحكومات الالكترونية ان يعطى نفس هذا الحق لابناء المناطق الاخرى مع الابقاء على دولة مركزية في نظام فيدرالي تدير الشؤون الخارجية والسياسات النقدية الى ماهنالك من امور سيادية.
هناك دول عظمى تدار بنظام حكم فيدرالي بين اقاليم وهناك دول اسلامية حققت مراحل متقدمة من النمو الاقتصادي والتطور التعليمي ايضاً قائمة على نظام فيدرالي بين الاقاليم أو بين مشيخات مثل ماليزيا والامارات وغيرهما، فمتى نعي ونتعلم من أخطائنا وأخطاء الغير رحمة بصغارنا وبالاجيال القادمة، طبائعنا كعرب لاتحتمل الديمقراطية بنمطها الغربي في الوقت الحالي ولذلك من الافضل الاعتراف بهذه الخصوصيات بدلاً من إضاعة الوقت من اجل العمل على ولادة دولة ميتة.
خلاصة القول، هنالك بلاشك قضية جنوبية ولكن ايضاً هناك بلاشك قضية عدنية وقضية حضرمية وقضايا اخرى فهل من معترف؟