الخميس - 18 سبتمبر 2025 - الساعة 01:48 م
انهار الصومال عام 1991، بعد أن دمّر الديكتاتور محمد سياد بري اقتصاده وبُناه المؤسسية. بري الذي لم يمتلك شرعية تتجاوز حدود عشيرته، عاش عقودًا يستنزف موسكو ثم واشنطن، قبل أن يفرّ إلى كينيا ومنها إلى نيجيريا حيث توفي في المنفى بعد أربع سنوات.
وأثناء سقوط الصومال في هاوية الدولة الفاشلة، ظلّ إقليم واحد بمنأى عن الفوضى: أرض الصومال (صوماليلاند). هذا الإقليم الذي كان دولة مستقلة سابقًا، أدرك أن استقراره وأمنه مرهونان بحق تقرير مصيره، فأعاد إعلان استقلاله.
اليوم، صوماليلاند مستقلة عن الصومال لفترة أطول مما كانت جزءًا منه، ففي حين ما زالت الميليشيات وحكم الفساد يسيطران على مقديشو ومعظم أنحاء الصومال، ولم يشهد البلد انتخابات حرّة تقوم على مبدأ “شخص واحد، صوت واحد”، احتضنت صوماليلاند الديمقراطية. بل كانت أول دولة في العالم تعتمد تسجيل الناخبين عبر تقنية مسح قزحية العين البيومترية، وفي إحدى الانتخابات الرئاسية، حُسمت النتيجة بفارق أقل من 100 صوت من أصل أكثر من مليون ناخب.
وبينما يعجز الأجانب عن السير بأمان في شوارع مقديشو أو ميناء كسمايو، تظلّ عاصمة صوماليلاند هرجيسا ومدينة بربرة الساحلية آمنتين، حتى إن ابنتي التي كانت في التاسعة آنذاك، جابت شوارع العاصمة دون مرافقة أمنية، وأثارت استغراب السكان بلعبها مع الماشية، ثم ذهبت للسباحة في خليج عدن أثناء القيلولة. في حين يصل الصوماليون إلى الولايات المتحدة لاجئين، يذهب أبناء صوماليلاند إليها بعد حصولهم على منح دراسية في أعرق الجامعات مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهارفارد وييل.
ومع ذلك، تعاملت وزارة الخارجية الأميركية في السنوات الأخيرة مع صوماليلاند كمنبوذ، ففي الوقت الذي سرقت فيه مقديشو مليارات الدولارات من المساعدات وفتحت أبوابها للصين، سعى سفراء مثل دونالد ياماموتو ولاري أندريه جونيور لعزل صوماليلاند تحت ذريعة سياسة “الصومال الواحد”، مكررين أن وحدة الصومال مصلحة وطنية أميركية.
لكن هذه السياسة لم تكن سوى شعار أجوف يُردد بلا نهاية، ففي الواقع، صوماليلاند – بسياساتها المؤيدة لتايوان، ونظامها الديمقراطي، وانفتاحها على الغرب، ومناخها الجاذب للأعمال، وقدرتها المثبتة على حرمان الإرهابيين من الأرض ووقف تهريب السلاح – كانت الطرف الأكثر توافقًا مع المصالح الأميركية، وباختصار، كان ياماموتو أشبه بمشارك في برنامج مسابقات اختار جثة قط بدلًا من قارب جديد، ثم أصرّ أنه اختار الصواب.
واليوم، تقترب الولايات المتحدة من الاعتراف بصوماليلاند، غير أن وزير الخارجية ماركو روبيو يبدو عازمًا على تكرار الأخطاء التي ارتكبها وزراء الخارجية السابقون هيلاري كلينتون وجون كيري وتوني بلينكن في اليمن.
فكما أن الصومال لم يعرف زعيمًا منتخبًا بنزاهة، كذلك يظل معظم اليمن فراغًا أسود أمام الديمقراطية، الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح وصل إلى الحكم عبر انقلاب وظل مهيمنًا لعقود، أولًا في شمال اليمن ثم بعد الوحدة عام 1990 في اليمن الموحد.
لكن وحدة اليمن، كما وحدة الصومال، كانت تجربة خاسرة منذ البداية، فثقافيًا، يختلف الشطران تمامًا: الجنوب أكثر انفتاحًا وحداثة، بينما الشمال تقليدي ومحافظ.
ورغم إدانة المسؤولين الغربيين للانقلاب الحوثي وسيطرتهم العسكرية على صنعاء، إلا أن الحقيقة أن الطائفة الزيدية التي ينتمي إليها الحوثيون اعتادت السيطرة على اليمن عبر التاريخ، واليوم، يسعى جنوب اليمن لتأمين سواحله وجذب الاستثمارات الغربية وبناء علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، بينما ينسج شمال اليمن ومعظم القوى السياسية في مجلس القيادة الرئاسي المعترف به أميركيًا علاقات خفية مع إيران وروسيا وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
تستعد وزارة الخارجية الأميركية لاستقبال رشاد العليمي، شخصية غير منتخبة، يشبه في وضعه رئيس الصومال حسن شيخ محمود، الذي يرأس حكومة غارقة في الفساد ويدير شؤونها غالبًا من الخارج، لكن بينما رسّخ جنوب اليمن نفسه كالإقليم الوحيد المستقر والآمن والمتجه غربًا، يواصل فريق روبيو في الخارجية سياسة أسلافه في التعامل مع الجنوب كمنبوذ.
الدبلوماسيون يكررون شعار “اليمن الواحد” كمصلحة أميركية، لكنهم لا يفسرون السبب، والظاهر بشكل متزايد أنهم ببساطة لا يستطيعون.