كتابات وآراء


السبت - 13 أكتوبر 2018 - الساعة 08:40 م

كُتب بواسطة : د. عيدروس نصر - ارشيف الكاتب


مرة أخرى نحتفي بذكرة الثورة الاكتوبرية المجيدة في أجواء ما يزال يشوبها العبث والتلاعب بشعارات الثورة المجيدة وقيمها ومبادئها وأهدافها، ويجرى التلابس والتشابه بين من يؤمنون بهذه المبادئ والأهداف ودفعوا ويدفعون أثمانا باهظة في سبيل التمسك بها وبين من يكثرون من الثرثرة عن الثورة ومبادئها لكنهم يعملون بكل ما أتيح لهم من الوسائل والممكنات للحيلولة دون استعادة تلك الثورة لروحها الإنسانية الجميلة ومضمونها الاجتماعي الرفيع الذي جسدته خلال ربع قرن ونيف من النضال المسلح والبناء الوطني وما تحقق وما كان ينبغي أن يتحقق من تلك المبادئ والأهداف السامية.

كنت قد قلت ذات مرة أن الغاصبين قد سطوا على كل شيء حتى على الأفراح والمناسبات الوطنية العزيزة، فلا غرابة أن نرى عدواً من أعداء ثورة أوكتوبر المجيدة يتغنى بالثورة ويتحدث عن عظمتها ويدعي أنها من منجزاته وهو من أفرغها من مضمونها النبيل وتزعم وأد كل معنى من معانيها السامية، وسطا على كل منجزاتها وحولها إلى أرقام في أرصدته المالية في بنوك العالم.

المشهد ذاته ظل يتكرر منذ 1994م ويتكرر اليوم مع اختلاف الممثلين للأدوار في حين يتضور من تبقى ممن صنعوا ثورة أوكتوبر وأبناؤهم وأحفادهم جوعا ومرضا وقهرا واستبعادا وتجاهلا وإهمالاً.

سيحتفل بذكرى أوكتوبر من لا علاقة لهم بها، وسيتحدثون عنها وكأنهم أوصياء عليها، وسيرتصون في الداخل أو الخارج مرتدين أزهى حللهم، وهم من قتل مبادئ هذه الثورة وسطا على مضامينها الإنسانية والوطنية والاجتماعية، وسيكثرون من الحديث عن هذه الثورة وهم يعلمون ونحن نعلم والكل يعلم أنهم ليسوا سوى ممثلين لا يختلفون عن ممثلي الأدوار السينمائية الذين يتقمصون شخصيات الأبطال وما إن ينتهي الفيلم حتى يعودوا عن كل كلمة قالوها أثناء التمثيل.

وتظل ذكرى أوكتوبر حاضرة في ذاكرة الأجيال التي عاشت معانيها وتشربت بمبادئها وتغذت بأهدفها، أو قرأت عنها في كتب التاريخ، الذي لا يخفي الحقيقة ولا يزين الزيف. . . . . حاضرة في كبسولة الدواء المفقودة، . . . وفي قرص الرغيف الذي اختفى. . . في الكتاب المدرسي الذي يتحول إلى تجارة بالزيف . . . في الأمن والأمان المفقودين، . . . في الخدمات العامة التي كانت حاضرة في كل بيت فأصبحت من حكايات الجدات، . . . في القضاء العادل الذي يتساوى أمامه الغفير والوزير، والصغير والكبير فصار من الماضي التليد، . . .في الراتب الشهري الذي كان يصل إلى الموظف في المدينة أو في أقاصي الريف يوم 29 من كل شهر، وكان رغم ضآلته عملاقا أمام الدولار، فتقزم وتضاءل حتى صار أمام الدولار كالنملة أمام الفيل، ومع ذلك صار من الضيوف الذين لا يرون إلا مرةً كل سنة أو كل نصف سنة.

أكتوبر الخالد في ذاكرة الأجيال لن يمحيه اللصوص ومزورو التاريخ وأدعياء الثورية، لكن خيراته التي وصلت إلى كل بيت هي من يخلد ذكراه في ذاكرة التاريخ الذي يلفظ الزيف كما يلفظ البحر الجيفة.