الإثنين - 19 مايو 2025 - الساعة 09:15 م
في ذروة أزمة معيشية خانقة، وانهيار اقتصادي غير مسبوق، وتدهور مريع في الخدمات الأساسية، صدر القرار الرئاسي القاضي بتعين سالم بن بريك رئيسآ للحكومة بديلآ عن الدكتور أحمد عوض بن مبارك. قرارٌ بدا للوهلة الأولى محاولة لامتصاص حالة السخط الشعبي، لكنه في حقيقته لم يتجاوز حدود تدوير المشهد، لا تغييره.
ان التغير لم يأتِ في سياق مراجعة وطنية شاملة، بل جاءت كنتيجة لخلافات حادّة بين رئيس الوزراء المُقال د. احمد عوض بن مبارك والرئيس رشاد العليمي، على خلفية تعثّر اجتماعات الحكومة بعد مقاطعة عدد من الوزراء، وتضارب الصلاحيات، وغياب الحد الأدنى من الانسجام داخل الفريق الوزاري، ورغم أن القرار صدر بتوافق هش داخل مجلس القيادة الرئاسي، إلا أنه لم يرقَ إلى تطلعات الشارع المكلوم، ولا إلى مستوى التحديات التي تعصف بالبلاد،. فما جدوى تغيير الرأس إذا بقي الجسد مأزوماً؟ وأي معنى لتعيين رئيس جديد للحكومة دون مراجعة لنهجها وسياساتها، الامر الذي يعني ان هذا التغير لا يعبّر عن تغيير حقيقي بقدر ما يُعيد إنتاج الأزمة نفسها بأسماء جديدة، وكأنّ شيئاً لم يكن ، والحقيقة أن هذه الخطوة، على رمزيتها، لا تعبّر عن تحوّل جذري في المسار الحكومي، بل توحي بأنّ السلطة لا تزال تفضّل الحلول الشكلية على المعالجات الجذرية.
لقد أثبتت التجارب أن أي تغيير لا يستند إلى مشروع وطني شامل، وإرادة سياسية صادقة، وتغيير فعلي في الأدوات والوجوه والسياسات، ليس سوى عبث سياسي لا طائل منه، وإذا كانت القيادة السياسية جادّة في إخراج البلاد من هذا النفق، فعليها أن تدرك أن الشعب لم يعُد يقبل بالأسماء المكرّرة، ولا بالشعارات الفضفاضة، ولا بالوعود التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ.
الجنوب، كما هو دائماً، كان الساحة الأوضح لانعكاسات هذا الفشل والذي، القى بضلاله على معيشة المواطن فالانهيار الاقتصادي وانعدام الخدمات الاساسية وواقع معيشي يزداد قسوة يومًا بعد آخر وبات المواطنون يتساءلون: ماذا غيّر القرار في واقعهم؟ والإجابة المُرّة أن لا شيء تغير، بل تُرك الجنوب يواجه مصيره منفرداً، بينما يتقاذف الفاعلون السياسيون الاتهامات ويتبادلون المناصب.
إن الجنوب، الذي ظلّ يتحمّل الأعباء ويدفع الثمن الأغلى في الحرب والسلم، لم يعُد مستعدًا للقبول بحلول مجتزأة أو قرارات شكلية، لقد آن الأوان لإشراكه بفعالية في إدارة الدولة، وتمكينه من إدارة شؤونه، وتلبية تطلعاته، لا سيما في ظل استمرار تهميشه رغم كونه الحامي الأول للشرعية والدرع المتقدّم في مواجهة المشاريع المعادية.
وفي ظل هذا المشهد المتأزم، يبرز سؤال ملحّ: هل يكفي تغيير الرأس لإنقاذ جسد متهالك؟ أم أنّ المطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو اجتثاث جذور الفشل، وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة، يتقدّم فيها المواطن على الولاء، والكفاءة على القرابة، والشراكة على الإقصاء؟
إن الإجابة عن هذا السؤال ستحدد ما إذا كانت البلاد ستخرج من محنتها، أو تغرق أكثر في مستنقع التآكل والتآمر وأن شعب الجنوب، كما كان دومًا، لن ينتظر كثيرًا.