تحقيقات وحوارات

الإثنين - 17 سبتمبر 2018 - الساعة 05:14 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن برس / تقرير خاص

المخدرات والإرهاب آفتان تدمر الأفراد وتشرد الأسر وتحطم المجتمعات، بهذه العبارات يختصر الكثير من المتخصصين بعلوم الإجتماع والنفس والسلوكيات وغيرها من العلوم التي تختص بدراسة الأفراد والمجتمع وتقييمها ومخاطر زوالها.

ويقود الإدمان على المخدرات لذات الجرائم التي ينفذها الإرهاب، وهو الأمر الذي جعل الكثيرون يؤكدون أن الإرهاب والمخدرات وجهان لعملة واحدة، وآثارهما كارثية على المجتمعات برمتها.

أسباب التفشي

وفي العاصمة عدن وبالجنوب بشكل عام كانتا تلك الآفتين دخيلتين على المجتمع العدني بل والجنوبي برمته، لأسباب عديدة وكثيرة، منها سياسية وأخرى متعلقة بالنسيج الإجتماعي، فضلاً عن غياب الوعي الأسري والمدرسي والمجتمعي، والأهم من ذلك يكمن في البعد عن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف أو تحريفه بحسب أهواء جماعات معينة مزجت بين الإسلام والسياسة.

وغياب الدولة ودور مؤسساتها ووزاراتها بالإضافة إلى غياب القوانين الصارمة والرادعة، فضلاً عن غياب الدور الأسري الفاعل، وإنعدام الأخلاق والقيم والتعليم وغيرها أيضاً من أسباب تفشي هاتين الظاهرتين الدخيلتين على مجتمعاتنا العربية بشكل عام ومجتمعنا الجنوبي بخاصة.

كما إزدادت في الآونة الأخيرة في عدن حوادث وجرائم عديدة تنوعت بين القتل والإختطافات والإعتداءات والإغتصابات، في قضايا كثيرة، تتركز أسباب معظمها إما بسبب الإرهاب وإنتشار السلاح وإما بسبب المخدرات والخروج عن الوعي.

وسنتناول في تقريرنا هذا عن آفة المخدرات التي إنتشرت بشكل واسع في عدن خلال المرحلة الراهنة وما قبلها، وسنتيح المساحة المتوفرة في التقرير للحديث عن تلك الآفة الخبيثة وآثارها على الفرد والأسرة والمجتمع.

بداية الإنتشار

تقول الأستاذة سعاد علوي رئيسة مركز عدن للتوعية من خطر المخدرات في حديث خاص لـ"عدن برس": "انتشار المخدرات في عدن ليس وليد اليوم ولا حتى من بعد حرب 2015 إنما بدأ نشر المخدرات في عدن والجنوب كله منذ ما قبل حرب 1994 والكل يعلم ذلك، وكنا دائماً نذكر بذلك، وهذا ليس مجرد كلام يذكر إنما واقع وله أدلة عديدة".

وأضافت: "ما وصل إليه الوضع اليوم في عدن والجنوب، خصوصاً وضع الشباب وحالة الفراغ وانتشار الجرائم بشكل متزايد يثير المخاوف في المجتمع كونها وصلت إلى الأطفال، فذلك دليل على أن المخدرات كانت ولازالت موجهة بشكل مخطط له وممنهج منذ البداية للوصول إلى هذا الوضع المزري الذي أصبح عليه مجتمعنا الجنوبي".

وأوضحت علوي أن: "المخدرات تؤثر على وعي الشخص المتعاطي لها وتجعله يسلك سلوكيات تضر به وبعائلته والمجتمع المحيط به والجرائم الأخيرة بحق الأطفال في عدد من مديريات العاصمة عدن والتي بعد التحقيقات فيها تبين أن المخدرات لها دوراً كبيراً فيها".

وعن أسباب لجوء الشباب لتعاطي مثل هذه الآفة، قالت علوي: "الظروف المعيشية الصعبة وحالة الفوضى التي تعيشها عدن والجنوب كله حتى أصبحت البلاد مفتوحة على مصراعيها، ذلك ساعد تجار المخدرات والجهات المساعدة لهم على إغراق البلاد بأنواع مختلفة من المخدرات وأخطرها الكيميائية منها مثل الأدوية والمهلوسات".

وأضافت أن: "قلة الوعي لدى الناس وانصرافهم إلى ممارسة تعاطي القات بشكل كبير جداً، حيث أنه أحد أنواع المخدرات حتى وان أنكر المجتمع ذلك، فهذه الممارسة من قِبل الأهل كآباء وأمهات وترك الأبناء دون رقابة لوقت طويل قد يصل إلى أوقات متأخرة من الليل، جعلهم فريسة سهلة لمروجي المخدرات التي انتشرت بين الأحداث والمراهقين بشكل كبير".

حلول مناسبة

ونوهت علوي: "إلى أنه ان استمر الصمت عن ذلك الوضع، سوف يرتفع مستوى الجريمة في بلادنا خصوصاً ان لم توجد الحلول المناسبة من قبل الدولة"، وبشأن إيجاد حلول ومعالجات مناسبة للحد من إنتشار المخدرات، أوضحت أن : "المخدرات تحتاج إلى منظومة متكاملة لحلها والتوعية مجرد جزء واحد من هذه المنظومة التي يدخل فيها المكافحة والعلاج".

وشددت : "نحن نعول على المجتمع بأكمله لمساندتنا بكل شرائحه من جهات مختصة ورسمية في الأمن ووزارة الداخلية والتربية والتعليم والشباب والرياضة والإعلام وأئمة المساجد ورجال القضاء والقانونيين وأهالي ومثقفين وكل الخيرين".

مؤكدة في ختام حديثها: "اليوم وصل الحال مع المخدرات في مجتمعنا إلى درجة لم يعد السكوت عنها مجدياً خصوصاً وأنها بدأت تقطف ثماراً غالية الثمن وهم أطفالنا وبناتنا بانتهاك أجسادهم وأعراضهم".

حملة مجتمعية

ويرى المحامي يحيى غالب الشعيبي في تغريدة على صفحته في تويتر أن "آلية مكافحة المخدرات كخطر مجتمعي من خلال دعم مشروع الأستاذة سعاد علوي التي تبنت على عاتقها هذه المهمة التوعوية وتنفيذ ندوات وورش عمل، إضافة إلى نقابات الجنوب بالتربية والتعليم والمجلس الانتقالي والصحافة والإعلام، وكذا الحاجة إلى حملة مجتمعية تدعم جهاز الأمن والنيابة والقضاء".

كذلك يقول الناشط السياسي أحمد الربيزي في سلسلة تغريدات له : "نحن جيل الآباء الصغار - ان صح التعبير - الذي لدينا أولاد في سن المراهقة، يقلقنا كثيراً ويرعبنا شبحي (الإرهاب والمخدرات)، يؤرقنا الخوف على أولادنا من جماعات الإرهاب ان تغسل أدمغتهم، والخوف على أولادنا كذلك من عصابات ترويج المخدرات التي تخرّب وتشل أدمغتهم".

أطراف سياسية

ويرى قطاع واسع من الجنوبيين أن الإنتشار المهول لهاتين الآفتين وبهذه السرعة في عدن وبقية المحافظات الجنوبية تقف خلفه جهات وأطراف سياسية شمالية وأخرى خارجية تسعى إلى تغييبه ذهنياً وفكرياً حتى يسهل لها الإستحواذ عليه وعلى قراره وأنشطته لاحقاً.

وتقول سارة عبدالله اليافعي وهي ناشطة جنوبية بارزة على تويتر: "بعد حرب ٩٤ تم تدمير التعليم في الجنوب وإغراق عدن بالمخدرات لقتل روح المقاومة في الجيل الجديد، ومع ذلك تفاجئ العالم ببسالة المقاومة الجنوبية التي وبدعم التحالف العربي هزمت مشروع إيران الذي أسقط ٤ عواصم عربية دون مقاومة، ولكن لن تهزم المخدرات أبناءنا مجدداً سنحاربها وسننتصر".

ويقول الناشط أبو سلمان الجنوبي في تغريدة على تويتر: "استهداف متعمد ومخطط ومدروس من قوى الشمال الإرهابية حتى لا ينهض الجنوب مجدداً، اغتيالات مفخخات تفجيرات خمور حبوب مخدره .. حرب تدميرية تخوضها قوى الشمال ضد أبناء الجنوب لتسهل السيطرة على فكره وعقله وقراره ومستقبله وأرضه".

مكافحة المخدرات

وأضاف : "بدون تأسيس إدارة متخصصة لمكافحة المخدرات ويتبع لها قوة خاصة للمداهمات وملاحقة مروجي المخدرات لن يتم القضاء على المخدرات في الجنوب وستظل كل دعواتنا محصورة في هاشتاق، ويجب تأسيس قوة مكافحة المخدرات أسوة بقوة مكافحة الإرهاب".

جريمة مقتل الطفل قصي سلاب أو "قصي حاجب" ذو العام والثمانية أشهر من العمر هزت مشاعر ووجدان الكثيرين في عدن والجنوب، لاسيما وأن القاتل هو خال الطفل الذي كان محبوباً لدى خاله، وهي الجريمة التي كشفت عنها الأجهزة الأمنية أثناء التحقيق مع الجناة أن سببها الرئيسي يعود للمخدرات والإدمان وغياب الوعي واللهث وراء المال للحصول على تلك الآفة الخبيثة.

وهناك الكثير من الجرائم البشعة المماثلة التي شهدتها عدن مؤخراً، بالإضافة إلى بقية المحافظات الجنوبية الأخرى، جميعها تتصل بتلك الآفتين، ومن لم تستطع تلك الأطراف الخبيثة قتله بالرصاص، تزج به في براثن المخدرات ومستنقعات الإدمان في ظل غياب الدولة والدور الحكومي والوعي المجتمعي.