تحقيقات وحوارات

الثلاثاء - 28 أغسطس 2018 - الساعة 07:16 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن برس / أيمن أمين

منذ ما يزيد عن 28عاماً تقريبا توقفت السينما في عدن، واستمر التدمير للفن والثقافة في عدن على يد كل الحكومات المتعاقبة، إلا أن الإبداع لا يعرف الكلل أو الملل، فهو نبع متدفق يستمر باستمرار الحياة إلى ما شاء الله.

عدن دائماً ما تلد لنا مبدعين في كافة المجالات وأبنائها تعرضوا للظلم والاستبداد، إلا أنهم لا ينكسرون والبرهان الساطع على هذا إنتاج أول فيلم تجاري يمني هو (( 10 أيام قبل الزفة ))، لن أخوض في حكاية الفيلم وقصته حتى لا أحرق الفيلم لمن لم يشاهده بعد، لكن أردت معرفة بعض التفاصيل التي رافقت إنتاج هذا العمل الإبداعي الراقي والجميل المحاكي لواقع عدن وأهلها.

ذهبت إلى قاعة العرض "ليلتي" في مديرية المعلا بعدن، وهناك التقيت المخرج الرائع عمرو جمال، بعدما شاهدت الإقبال منقطع النظير من جمهور عدن واستوقفته دقائق معدودة ودار بيننا وبينه الحوار التالي:

ألف مبروك نجاح فيلم 10 أيام قبل الزفة يا عمرو.

رد وبكل سعادة هذا نجاح لعدن وشبابها قبل ما يكون نجاح لعمرو.

ابتسمت وقلت له هذا أكيد, لكن يا عمرو ما كنت متخوف وأنت تنتج الفيلم أين ستعرضه في ظل إغلاق كافة دور السينما في عدن منذ ما يزيد عن 28 عاماً.

وجاء رد المخرج عمرو جمال على النحو الأتي :

هنا يكمن التحدي ليس لي وحدي وإنما لكل أفراد طاقم العمل، فبعد الحرب كان لابد لنا من الأخذ في الحسبان أن الأوضاع الأمنية ليست مهيئة لتقديم عروض مسرحية فواصلنا العمل ولكن في مجال الدراما التلفزيونية، وللأسف أصابنا الإحباط لوهلة في ظل تعذر إمكانية إنتاج الدراما للتلفزيون، بسبب الأوضاع السيئة في البلاد خاصة أنا وأخي العزيز مازن رفعت الكاتب والمؤلف، وبالصدفة تحدث إلي صديقي محسن الخليفي وطلب مني أن نسعى لإنتاج الفيلم من باب المغامرة فطلبنا من مازن رفعت أن نحول فكرة 30 يوم قبل الزفة وحولها مازن إلى نص 10 أيام قبل الزفة، وكما تعلم عزيزي أيمن أن النص الدرامي التلفزيوني يختلف تماماً عن النص الدرامي السينمائي ..

قاطعت عمرو، وقلت له هذا أكيد بحكم تقليص الحوار وأسلوب السيناريو والحبكة الدرامية.

فواصل عمرو، وقال بذل الكاتب مازن مجهود مضني في ضغط القصة لتخرج إلى حيز الوجود على قالب فيلم سينمائي متكامل، ثم بدأنا ثاني خطوة وهي البحث عن رُعاة للإنتاج، وفعلاً كان الموضوع مرهق جداً جداً خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المنهارة داخل البلاد إلى أن توفقنا مع مجموعة الرُعاة المعروفين الآن، وفعلاً بدأنا العمل رغم كل الظروف الأمنية الحاصلة، وأحب أن أقول لك أخي أيمن ولكل الجمهور، إن طاقم العمل ولحبه لعدن وحبه في تقديم فكرة العمل استطاع أن يتغلب على كل الصعاب والمخاوف التي كانت تحيط بنا وبالعمل وكانت فعلاً صعوبة انك تتنتج الفيلم وأنت عارف أن كل دور السينما في عدن أصبحت إما مهدومة ومباعة أو مغلقة، إضافة إلى مخاوفنا من بعد انتهاء التصوير في ظل تخوف الناس من الأخبار المنتشرة في كل وسائل التواصل عن أوضاع عدن الأمنية، لكن كل هذه المخاوف تبددت طبعاً كان أول يوم الحضور بسيط جدا لكن إعجاب الناس ونشرهم لحالاتهم أثناء متابعة الفيلم زاد الإقبال ليصبح عرض الفيلم في اليوم الواحد حوالي أربعة عروض في كل قاعة من القاعات المخصصة للعرض بمعنى أربعة عروض في قاعة ليلتي بالمعلا وأربعة عروض في قاعة ألف ليلة وليلة بالشيخ عثمان، وهنا شعرنا بأننا هزمنا كل المعوقات وهذا مؤشر جميل جداً للدولة أن هناك ناس ما زالت تحب الحياة والفن والجمال فلماذا دور السينما والمسارح مازالت مغلقة حتى اللحظة.

عمرو تحدث أيضاً عن كل جهود الترتيب لتجهيز قاعة الأعراس وتحويلها إلى قاعة تصلح لعرض الفيلم، وكيف كان الشباب العاملين معه في الإنتاج يسعون لإيجاد كافة الحلول المتاحة في ظل الظروف المنعدمة وإمكانية صناعة شاشات عرض سينمائي من المواد الموجودة محلياً، وكذا جهاز العرض السينمائي من المواد الموجودة محلياً وأختتم حديثه بالقول (( مادام حب عدن وجمالها مازال في قلوب أهلها فهذا يعني أن قلب عدن مازال ينبض بالحياة إلى ما شاء الله )).

وكما تمنى مخرج فيلم 10 أيام قبل الزفة عمرو جمال، النجاح الدائم لكافة المبدعين في كل نواحي الإبداع في عدن.

بدوره كاتب الفيلم مازن رفعت، قال رغم الإحباط الذي نعيشه منذ حرب 2015م إلا أن إيماننا بالله وحبنا للحياة التي وهبنا الله إياها هو ما دفعنا لأن لا ندخر جهداً من أجل إنتاج فيلم 10 أيام قبل الزفة بصورته التي شاهدتها أخي أيمن، كان هذا أهم دافع لنا لننجز الفيلم في وقت قياسي، وهذا ما أعاد لنا الأمل رغم المعوقات والعقبات التي صادفناها أثناء إنتاج الفيلم وكنا كلنا في الطاقم متفقين على شيء واحد هو أن إنتاج فيلم 10 أيام قبل الزفة، هو مغامرة لنا ويجب أن نفرش الأرض المشوكة أمامنا بالورود لمن سيسير بعدنا في نفس الطريق.

سألت مازن وقلت له: 10 أيام قبل الزفة، جاء مثل كأس الماء البارد في قيض صيف عدن ولهيبها, فهل ارتوى الجمهور؟

ابتسم وقال تشبيهك رائع جداً أخي أيمن هذا يذكرنا بكلام عمرو لما قال لي (يا مازن رغم العقبات اللي صادفتنا في إنجاح إنتاج المسلسل في الفترة السابقة خلينا نعيد ترميم
أرواحنا ونكتب الفيلم)، وفعلا استطعنا أن نعيد ولو جزء بسيط من ألق اسم عدن خاصة وأن هذا أول فيلم تجاري يتم إنتاجه للعرض للجمهور.

قاطعت مازن، وقلت له  تعودت يا مازن انك تكتب للدراما التلفزيونية، هل وجدت صعوبة في الكتابة للسينما، خاصة وأن النمط والقالب يختلف كلياً؟

فقال: عزيزي الحياة كلها تحدي وإن لم نتحدى أنفسنا للنجاح لفن ننجح أو نعيش أبداً وهذه كانت تجربة وسعيت أني اضطلع على كيفية الكتابة للسينما ويمكن لأننا خضنا مجال الدراما في التلفزيون هي الخبرة التي ساندتني في الكتابة، واضطلعت على عدد من النصوص للأفلام، وكنت أعمل مقارنة بين النص واللقطة بتمخض عن هذا الجهد 10 أيام قبل الزفة، ولله الحمد.

كما انتهزت الفرصة لنقل بعض آراء من حضروا العرض، في نفس الوقت التي أجريت فيها المقابلة القصيرة مع المخرج والكاتب، فكانت الآراء مثلجة للصدر فعلاً.

فارس هرهرة ناشط مجتمعي:

لا أدري من أين ابدأ في حديثي أو أختم في كلامي، فيلم 10 أيام قبل الزفة حاجة لا توصف بجد تأثرت كثيراً من داخلي، والله لا أستطيع عن التعبير وتعجز الكلمات عن أول فيلم السينمائي بعدن.

المحامية هدى الصراري:

أحداث الفيلم أرجعت بنا الذاكرة لمأساة الحرب والصراعات التي عصفت بأهل عدن  ..حبكة الفيلم بلغة عدنية بسيطة تدور أحداثها حول قصة حب جمعت رشا ومأمون أبطال الفيلم اللذين أثرت عليهم ظروف الحرب وتبعاتها فنغصت مستقبلهم تارة يستكينون لها وتارة يقاومون حتى ينتصروا في الأخير ..الفيلم أيضاً يوضح حال الأسرة التي تضررت من الحرب بشكل مباشر واستغلال مالك المنزل لظروفهم وابتزازه لهم طلباً بالزواج من رشا، ودور الأصحاب أيضاً مهم جداً .. الشهامة العدنية الخالصة وخفة الدم المعهودة الجميلة التي تجعل لعدن نكهة خاصة لا تُنسى مهما بعدنا عنها ..الفيلم يجعل منك خليط مشاعر ما بين بكاء وضحك ولكن في الأخير لا ينتصر سوى الحب وعدن ..ونصيحة من لا يعرف عدن وناسها البسطاء يرى هذا الفيلم.

المخرجة التلفزيونية سارة عبدالرشيد:

تحية للعمالقة والفنانين الذين ظهروا بكل مشاهد الفيلم كانوا غير متكلفين ورائعين ونجوم فعلاً، ورحمة الله على الفنان الشاب هشام الحمادي، الذي أدائه رائع وسيبقى خالداً في ذاكرتنا.

المخرج عمرو جمال، صانع الفن في فترة انتهت دور الفن فيها أعلم بأنك قدوتنا جميعاً في عدن، وأنت رمز للفن العدني، وفهد شريح كالعادة هو الدينمو لكل الأعمال التي نحبها، وأيضاً مازن رفعت الكاتب أبدع جداً ومروان مساعد المخرج دائماً نجدك بالأعمال الجميلة، ولكل المصورين في الفيلم ألف تحية مني لكم، عدن جميلة بأبنائها.

محمد الشهباني:

في البداية كنت متردد في الدخول لمشاهدة الفيلم، ولكن اتخذت قرار وخصوصاً أن عمرو جمال اسم مضمون وأبهرنا في مسلسلاته ومسرحياته السابقة، دخلت وشاهدت الفيلم، وكان ما فيش دقيقة تمر علينا من غير ما نشوف حاجة حلوة احلى من التي قبلها.
 
الفيلم فعلاً غير مزاجنا ونفسياتنا، كما اني استمتعت بالكادرات والصور والألوان التي بجد تحفة، وفي نفس الوقت في قصة ورسالة طلعنا بها من الفيلم والممثلين في الفيلم، بجد على أعلى مستوى وسالي حمادة فاجئتنا بدورها وإتقانها .. بجد فيلم من أقوى أفلام السينما الواقعية، ونصيحة مني أقول ادخلوا فيلم عشر أيام قبل الزفة قبل أن ينتهي العرض.

جميل عبده:

الفيلم جسد حكاية مدينة عدن ومعاناتها، ضحكنا وبكانا؛ بمجرد ما أرى شيء لمسنا ولمس واقعي في هذه المدينة تابعت كل لقطة في الفيلم وكنت حريص من أول مشهد أننا أكون مركز فعشت كل لحظة بلحظتها وعشت القصة وكأنها واقعي المعاش يومياً.

وبجد المخرج عمرو جمال أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه بذل مجهوداً كبيراً ليصل للرؤية الممتازة هذه..  وعن أداء الممثلين فهذا موضوع بحد ذاته لأننا فعلا فخورين  بهم وبأدائهم الراقي والرائع.

وختامها كان مسك بالأغنية الخاصة بالفيلم (( أم المساكين )) كانت مجسدة لروح الإبداع، وحـرّكت الأحاسيس بكل كلمة فيها، وفي الأخير كلمة شكر لمخرج العمل والقائمين عليه لجنة إعلامية ولجنة تنظيم وتنسيق ولكل من ساهم ويساهم في إعادة الأمل لهذه المدينة.

القاضي فهيم الحضرمي:

فيلم 10 أيام قبل الزفة من إخراج عمرو جمال، رئيس فرقة خليج عدن المسرحية والذي يعرض في عدن هذه الأيام فيلم رائع بكل المقاييس خاصة وأنه يأتي في ظل ظروف بالغة الصعوبة تعيشها عدن إقتصادياً وخدماتياً وأمنياً، الفيلم يروي "القصة الحقيقية المذهلة عن حياة شباب المدينة، فحاول المؤلف أن يجمع شذرات عن حياة بعض أَصدقائه ومعارفه، ومعاناتهم، وشاهدت الفيلم بكل دقه وبتأن وسعة أفق، وخرجت من خلال ما شاهدته بشيء عن ملامح وثقافة ورؤية واضحة بأن الشباب العدني خاصة واليمني عامة قادر على صناعة المستقبل وخدمة وطنه رغم كل المحن والصعاب.

السماح بترخيص عرض هذا الفيلم العدني يفتح الباب واسعاً للاستثمار في هذا المجال، خاصة في ظل حاجة الشباب الملحة والتواقة لمشاهدة الأفلام السينمائية، سواء العالمية أو المحلية في وطنهم بدلاً من السفر للخارج أو متابعة الأفلام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع العلم أن مدينة عدن شهدت أول العروض السينمائية في العام 1910 للأفلام الصامتة، لتكون من أوائل مدن الجزيرة العربية التي عرفت السينما حينها، لتصل بعدها دُور السينما في المدينة إلى أكثر من عشرين داراً سينمائية واليوم تدمر بأيدي العابثين، قبل أن يتقلص عددها قبل فترة التسعينيات وتشهد تلاشياً مستمراً في عدن مع مرور عجلة الزمان.

السينما هو مرآة النفس الإنسانية تحرك وتؤثر وتجذب الأحاسيس والمشاعر بغية الارتقاء بالنفس فكرا وثقافة لتسمو بتطلعاتها وآمالها لتطوير الحضارة الإنسانية وإقامة حوار حقيقي بين ثقافات الشعوب المختلفة لعولمتها في منظومة ثقافية ليس لها حدود مكانية ولا زمنية، تخدم التطور والارتقاء بالقيم الإنسانية في هذا الكون ..!!

هذه هي عدن فن وذوق وحياة نابض بالمحبة.

هذه هي عدن رغم الألم تعطرك بالأمل.

عدن الثقافة والفن والإبداع

فهنيئاً لك يا عدن