كتابات وآراء


الأربعاء - 22 أغسطس 2018 - الساعة 08:16 م

كُتب بواسطة : أ. د. عبدالناصر الوالي - ارشيف الكاتب


ابدع المؤلف والمخرج عمرو جمال وفريقه الفني الرائع في فيلم ( 10 ايّام قبل الزفّة). ايها المبدعون رسالتكم وصلت.

حسمتموها حين حان الوغى بالمدفع والرشاش وتحسمونها الان بالقلم والصورة، نصرتم عدن حين استغاثت بكم وقت الحرب المباشرة وها أنتم مصرين على نصرتها اليوم وقد تغير شكل الحرب ولكن لم تتغير مرارتها، أثرتم المشاعر وحركتم العواطف، تجاوزتم الحزن والإحباط ووزعتم الأمل والبسمة.

رشاء الجميلة جمال عدن وعفويتها وطيبتها ودلالها وحنيتها وحتى قلة حيلتها وضعفها الأنثوي ولكنها عند المحن بركان كريتر وسخونة صيفها، جبل شمسان وبحر صيرة. تصدي ورفض وتحدي وصمود ولكن بنفس جمال الروح وعنفوان التسامح والحب.

مأمون عدن وصبرها، عزت عدن وكرمها، شموخ عدن وتضحيتها، عنوان إنسانيتها التي بلاحدود ولا تعرف الأنانية، مروا معهم في أزقتها وحواريها، ادخلوا معهم بيوتها فأبوابها مفتوحة بل هي بلا أبواب مثل قلوب اأهلها لا تحتاج إذن لكي تدخلها ولكن اذا دخلتها فلن تستطيع ان تخرج منها، تعطيك كل شيء ولا تطلب منك شيء فهي لا تعرف إلَّا العطاء ولا تجيد إلَّا التضحية والبذل.

تناول فيها المطبقية وحلِّي فيها بالهريسة ويمكنك ان تصبغ لسانك وشفتيك بلون دم الغزال فقط تناول (تنبلها) (بالسوكة) او بدون.

ربما ليس هناك كهرباء ولا ماء ولكنك في عدن لا تحتاج اليها فصفاء جوها وسعة شواطئها ونسيم بحرها العليل يغنيك عن كل شيء.

بيوتها ضيقة وقلوب اأهلها لا جدران لها، أزقتها مزحومة ولكنها تتسع للجميع فهي مصدر أنس ومبعث السعادة تتردد فيها الضحكات وتنتشر فيها البسمة وتتزاحم فيها الأُلفة والمحبة.

تأقلمت مع الحروب حتى صارت تعتبر السلم مجرد ترف عابر تسبقه حرب ولن تسمح له ان يستمر حرب اخرى على الأبواب.

يأتِون اليها لكي يستمتعوا بحبها وحنانها وعفويتها ولكنهم سرعان ما يصيبهم الطمع ويسعون الى الاستئثار بها لوحدهم ولوحدهم فقط وإذا عارضهم سكانها الطيبين هدُّوها على رؤوسهم.

عمرو جمال وفريقك الرائع المبدع أحسنتم الى عدن ووفيتم معها شرحتم مواجعها وابهرتمونا بإطلاق اجمل ما فيها من القيم والاخلاق.

نحن نحبها بالفعل وانتم اليوم جعلتم العالم كله يعرف لماذا نحبها كما هي وكيفما هي.
عدن الروح وروح الروح اما الشجر والحجر فكلما هدُّوها بنيناها من جديد.

رشاء ، مأمون لقد سلبوا منا عدن ونحن في عنفوان شبابنا وقضينا زهرة شبابنا ونحن نقاوم القهر والإذلال حرصاً ان لا نورثها لكم ولقد استعدناها بثمن باهض، ذهب اخوتكم شهداء عند الله ولا زلنا لا نستطيع ان نعالج من جرح منهم لقلة الحيلة وتكالب الأعداء، لا زلنا لا نستطيع ان نعود الى المنزل الذي شيدناه بشقى العمر وهدَّهُ التتار فوق رؤوسنا، ولَم نستطع حتى الان ان نسحب بعض جثثنا من تحت الانقاض. اما الروح فلم نفرط بها وقد كدنا ان نفرط، استعدناها كاملة مجروحة بعض الشيء ولكنها تتعافى.

رشاء ، مأمون لقد كدنا ان نفرط بعدن الى الأبد ولكننا صبرنا وعضينا على النواجد حتى استعدناها وها نحن نسلمها لكم.
أتموا الزفّة ولا تسلموا عدن مرة اخرى لأي مخلوق مهما كان بياض اسنانه وهذا سهل عليكم ولَم يَعُد صعب الان، فقط تسامحوا فإن الذي يحب يسامح.