كتابات وآراء


الخميس - 06 فبراير 2020 - الساعة 04:17 م

كُتب بواسطة : محمد عبدالله مخشف - ارشيف الكاتب


يحتل تاريخ السابع من فبراير 1970، حيزاً كبيراً وواسعاً في العقل والقلب والذاكرة والوجدان، لما شكله من منعطف هام ومفصلي غير مسار حياتي العملية والشخصية، واختط لها طريقاً سرت عليه على مدى 50 عاماً، حفلت بالكثير من الانتصارات والنجاحات ومثلها من التعثرات والانكسارات.

ففي ذلك التاريخ، نقل الأثير إلى العالم قرار رئيس مجلس الوزراء آنذاك الفقيد محمد علي هيثم القاضي بإصدار قانون إنشاء أول وكالة أنباء وطنية في منطقة الجزيرة والخليج أطلق عليها اسم "وكالة أنباء عدن"، وتعيين الصحافي الجهبذ الشهيد محمد ناصر محمد رئيساً تنفيذاً لها.

وكان ميلاد وكالة أنباء عدن، بمثابة ميلاد جديد لي، إذ بها وعبرها دخلت معتركاً جديداً في عالم الصحافة، هو عالم وكالات الأنباء التي لم أكن أعرف شيئاً عن عالمها المجهول، إلا أسماءها التي كنت أسمعها وأدونها أثناء عملي في تسجيل وتفريغ نشرات الأخبار من الإذاعات في بداية حياتي الصحافية.

ففي رحاب الوكالة، وجدت عالماً رحباً وصاخباً وبحراً متدفقاً لا يهدأ من الأخبار والأحداث التي عليك ملاحقتها ومتابعة تفاصيلها ووقائعها ومستجداتها، ونقلها بصدق وأمانة إلى القارئ المتلقي ومستمعي الإذاعات ومشاهدي التلفاز.

وفي الوكالة ترسخت تجربتي الصحافية الناشئة، واكتسبت كل يوم المزيد من الخبرات والتعلم والمعرفة، وتوسعت مداركي وآفاق فهمي لأمور الحياة والناس.

محمد ناصر محمد.. القائد المؤسس

وللحق والتاريخ الإنساني والإنصاف لأهل الفضل، فأني أسجل هنا إن فكرة أو مشروع تأسيس وكالة أنباء عدن، يعود الفضل فيه إلى الصحافي الفذ الأستاذ الشهيد محمد ناصر محمد، فهو من فكر وخطط وتبنى مشروع إنشاء الوكالة في ظروف غاية في التعقيد والصعوبات والشحة المالية للدولة الناشئة في الجنوب.. لكن أ. محمد ناصر محمد بما كان له من حماس وعزيمة لا تلين، عمل جاهداً للتغلب على كل العوائق والصعاب التي كانت تحول دون إمكانية ظهور مشروع كهذا إلى حيز الوجود، وأولها وأهمها عدم توفر أية إمكانية مالية من أي نوع تساعد في تنفيذ المشروع من قِبل الدولة.

وأيضا للحق والتاريخ والإنصاف، أسجل مساعدة ودعم ثلاثة من رجالات الدولة آنذاك تفهموا واستوعبوا فكرة مشروع إنشاء وكالة أنباء وطنية، ووقفوا بجانب أ. محمد ناصر محمد، وساعدوه على تنفيذ مشروعه وإشهاره من خلال مواقعهم القيادية في الدولة.. وهؤلاء هم الفقيد المناضل محمد علي هيثم رئيس مجلس الوزراء الذي تكفل بإصدار قانون إنشاء الوكالة بقرار منه لتسهيل إشهارها وإعلان قيامها رسمياً.. ثم الأخ الفقيد أ. عبدالله الخامري وزير الإعلام، الذي أحس بحكم موقعه بأهمية وضرورة وجود وكالة أنباء في البلاد.. وثالثهما الفقيد أ. عادل محفوظ خليفة وزير العدل، الذي عن طريقه تم تذليل الإجراءات واستكمال المشروع بصيغته القانونية.

مشروع من دون ميزانية

للعلم، فإن تأسيس أول وكالة أنباء وطنية في المنطقة، لم يكن سهلاً ولا هيناً أو مفروشاً بالورود؛ وإنما كان مليئاً بالأشواك والعوائق الذاتية والموضوعية.. لكن الشهيد محمد ناصر بما جبل عليه من العزم والإصرار تفوق على نفسه، وتغلب على كل ما كان يعترضه وأولها التمويل المالي للمشروع.. وفي هذا الجانب، تضمن قانون إنشاء الوكالة، على أن تكون ذات استقلال مالي وإداري وتصرف على نفسها من دخلها الذاتي عن طريق بيع نشرات وإصدارات صحافية تبيعها للمشتركين والسفارات الأجنبية.. كما نص قانون إنشاء الوكالة على حقها في الاستعانة بمحررين من أجهزة الإعلام الرسمية؛ كالإذاعة، وإدارة النشر والترجمة بوزارة الإعلام للعمل، فيها على أن يبقى صرف رواتبهم الشهرية من مرافقهم الأصلية.

وبذلك، وعدد محدود من المحررين لا يتعدون السبعة معظمهم من قسم أخبار الإذاعة وكاتبان على الآلة الكاتبة، بدأت الوكالة أولى خطواتها قبل "50 عاماً"، في تثبيت نفسها وإثبات وجودها في الحياة الإعلامية داخلياً وخارجياً من دون ميزانية أو معونة من الدولة، وإنما مولت نفسها ومرتبات محرريها القلائل ومصاريفها الأخرى من دخولها الذاتية.

20 عاماً من النجاح و30 عاماً من الضياع

واستمرت الوكالة وحققت النجاح وتطورت وتوسعت باستقبالها المزيد من أجهزة ووسائل التقاط إرسال نشرات وكالات الأنباء العربية والأجنبية مثل وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، وسانا السورية والعراقية، ورويترز العالمية، والفرنسية وتاس السوفيتية، وشينخوا الصينية.. كما توسعت نشراتها وكبر حجم طاقم محرريها وموظفيها.. كما بدأت الدولة باعتماد أول ميزانية لها من العام 1975.

وبعد أكثر من 20 عاماً من إثبات الوجود وتراكم الخبرات والنجاحات، وأخذ مكاناً مرموقاً في عالم وكالات الأنباء العربية.. تم دمج وكالة أنباء عدن والتهامها مع غيرها من المنشآت والمؤسسات والمصالح الحكومية في مختلف المجالات التي تم إنشاؤها بالكفاح والعرق والدموع في الجنوب في المنشآت والمؤسسات المتماثلة في الشمال تحت يافطة "الوحدة المغدورة".. وكم من المصانع والمزارع والشركات والمؤسسات التي تم تصفيتها وإنهاء وجودها.. ولم تعد إلا ذكرى حزينة.. والله لا سامح من كان السبب.

واليوم ونحن بعد 30 عاماً عجاف تمر على وحدة الغدر والضم والإلحاق.. لا يسعنا إلا أن نتذكر بألم وأسى هذا المصير الأسود الذي أصبح يحيط بنا.. ونترحم على كل من بذل الجهد والعرق والإخلاص في سبيل دخول عدن إلى عالم جديد في دنيا الصحافة وهو عالم وكالات الأنباء، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم القائد المؤسس الشهيد محمد ناصر محمد.

* صحيفة الأيام