كتابات وآراء


الأربعاء - 25 نوفمبر 2020 - الساعة 06:20 م

كُتب بواسطة : عبد السلام قاسم مسعد - ارشيف الكاتب



ينطلق بناء المجتمعات المعاصرة منذ بداية الثورة الصناعية وحتى اليوم ورؤية الشعوب لمستقبلها بالاعتماد على منتوج الفكر العلمي ، على ما يقدمه الفلاسفة ورواد العلوم التطبيقية والتنويريين ومنجزات الثورة العلمية والتكنولوجية ، اما دور السياسيين هو فقط تمثيل هذا المنتوج وادارته اذا ما اُستُوعِب ، وما دون ذلك تظل قيادة المجتمع من خلال شعارات سياسية جوفاء مدخلا يؤدي الى مشاحنات وضغائن وقهر اجتماعي وعدم استقرار سياسيى وحروب كما تقود الى افقاد المجتمع لعوامل نموه وتقدمة وحرمانهم من التمتع بحياة كريمة آمنة ومستقرة.

من تجربة او تجارب الجنوب السابقة بعد الاستقلال الوطني 1967 وتجارب دول فتية اخرى شابهت تجربتها تجربة الجنوب لابد ان ناخذ العبر منها ولا نكررها في سلبياتها اذا ما فكرنا في بناء الدولة الجنوبية مستقبلا على اسس علمية صحيحة وحديثة ... والخلاصة في هذة التجربة تكمن في انه تم استلام السلطة عام 1967 دون ان تمتلك قيادتها دراسات وخطط كافية لكل مشكلات المجتمع وسبل حلها بحيث كانت الشعارات السياسية والايديولوجيا هي الغالبة والمسيطرة ومنهج ادارة المجتمع ، وفي نفس الوقت لم تمتلك ولم تُعِدْ مسبقا كادرا مؤهلا علميا وذي خبرات كافية لقيادة الدولة الفتية والمجتمع الناشئ... تجاوزوا الاستفادة من الكوادر المجربة السابقة وجاءت بقيادات وكوادر شابة نسبيا كان معيار اختيارها هو الولاء الوطني وثقافتها السياسية المصبوغه بالايديلوجيا وتفتقد الى التأهيل العلمي والخبرات العملية المجربة ، كل هذا سحب نفسة على الممارسات والاخطاء التي رافقت التجربة والحاجة الان تقتضي تجاوز هذة السلبيات .

من اجل الحاضر والتطلع الى المستقبل لابد ان تُكرَّس الجهود نحو التعامل بواقعية وعلمية تجاة مختلف مشكلات المجتمع وهذا امرا بالغ الاهمية من حيث الحاجة الملحة الى تصنيف هذة المشكلات كلٍ على حدة اي انه لابد ان نصنف كل فروع مجالات الحياة بدقة ونبحث في كل فرع من فروعها وتناول حتى اضيق مجالاتها ، في الاقتصاد وفي المجتمع والثقافة والتعليم والحقوق والتشريع والصحة العامة وصحة البيئة والثقافة والفنون المختلفة والسياسة والدبلوماسية والاعلام والتكنولوجيا المعاصرة وغيرها من المجالات وهي كثيرة ، والاختصاصيين في الجامعات ونظرائهم في التأهيل الاكاديمي والعاملين خارج الجامعة يدركون اكثر من غيرهم طبيعة هذة المشكلات وأهميتها وانعكاساتها على سير التطور ، ويمتلكون الادوات العلمية ويمكن الاستفادة من بيوت الخبرة الاجنبية الناجحة لايجاد الحلول لها بادوات علمية بعيدة عن الأيديولوجيا والشعارات السياسية ، والاكاديميين وحدهم القادرين على تحمل المسؤولية العلمية اذا ما افسح لهم المجال وأُخذ بايديهم وانيطت بهم مهمة البحث وتوصيف مشكلات المجتمع وتقديم الحلول لها ومن ثم الاخذ بها بعد صياغتها كمصفوفة واحدة لتشكل استراتيجية وطنية للبناء والتطوير .

واتساقا مع هذة الاستراتيجية لابد من التفكير الجدي في نوعية القيادات والكوادر التي ستدير عملية التطور الاجتماعي اعتمادا على مؤهلاتها العلمية وخبراتها العملية ، كما يجب الاهتمام بالمنابع المعرفية التي نغترف منها هذة الملاكات في كل مراحل التعليم بدء من الروضة وحتى الجامعة ومابعدها ووضع سياسات وخطط تدريب وتاهيل الكادر الشاب علميا وعمليا من اجل قيادة المستقبل .

تلك مهمة استراتيجية لابد منها وتحتاج الى دراسات وابحاث معمقة ولها طابع مستمر ومتابعة دائمة حتى يتم انجازها بشكلٍ وتخصص اعمق وحلولٍ ادق .

اما المهمة الملحة الان والتي هي الاستعداد لافتراض تشكُّلْ حكومة الشراكة او المناصفة بين الشمال والجنوب حيث يتطلب الامر وبجدية الى إعداد رؤية علمية شاملة ايضا لكل مشكلات المجتمع الحالية ولا تقل في اهميتها عن المهمة الاولى من حيث واقعيتها وعلميتها وادوات تحقيقها بشريا واداريا وماديا كي يتسلح بها الجانب الجنوبي في حكومة الشراكة .

هذة المهمة يقف وراء الاهتمام الجدي بها الرغبة بل الواجب في تجاوز تجربة الدخول في الوحدة اليمنية االتي دخل فيها الجنوب متكئا على الشعارات السياسية والعواطف الوطنية دون امتلاك رؤية دقيقة لحقيقة الاوضاع لا في الشمال ولا في الجنوب ولابرنامج للتعامل معها، وقادتنا هذة النقيصة الى تسيُّد نظام الجمهورية اليمنية بكل علاته وتخلفه على الجنوب الذي أُغرق بها والتي لازالت آثارها الغريبة على المجتمع الجنوبي مطبوعة على مختلف جوانب الحياة ، والهدف الان هو الخروج منها ليس بالشعارات ايضا بل برؤى وخطط وسياسات حكيمة ومحسوبة خطواتها .

مهمة اخرى جديرة بالاهتمام الجدي بها وذات اولوية ملحة تتمثل في ضرورة ترميم النسيج الاجتماعي وهي ذات ارتباط وثيق في المهمة الاولى والثانية ولابد ان يعطى لها اهمية سياسية خاصة لجهة التحرك السريع المدفوع والمشبع بالروح والمسؤولية الوطنية العالية لاصلاح ما تركته الاحداث السياسية في الماضي وما شابهها في الحاضر بهدف تعزيز اللحمة الوطنية وجبر الضرر وبناء الثقة المتبادلة وقبول بعضنا للآخر والمشاركة في تحمل المسؤولية الوطنية المشتركة والابتعاد عن التمترس بشعارات سياسية لاتؤدي الا الى الشحن العاطفي والمناطقي وتصبح اهداف للاعداء لجهة تغذيتها لخدمة مصالحها الخاصة وتصبح معها حياتنا وقودا لها والعدو وحده هو المستفيد منها ... وهذة قضية سياسية بامتياز ويقع على العقلاء واجب ايجاد الأدوات المباشرة لاصلاح الخلل في النسيج الاجتماعي كما هي مهمة لكل افراد المجتمع في ان يحرصوا على عدم اشعال نار الفتنة وتحويل شعار التصالح والتسامح الى حقيقة واقعية من خلال انجاز خطوات عملية جادة وملموسة وضمان عوامل النجاح ممكنة اذا امتلكنا جميعا الارادة السياسية ، فتجربة رواندا المؤلمة في الاقتتال المتوحش وضحايها الكثر وخطوات التصالح بين القوى المتناحرة وما انتجته من تقدم وازدهار ابهر العالم تعد نموذجا يدفعنا الى الاستفادة من هذة التجربة وتعزز ثقتنا في المستقبل ، حتى الصومال التي كان يضرب بها الامثال على عمق التمزق الاجتماعي والحروب واعمال العنف والفقر والجوع والمرض نراها اليوم قد تصالحة فيها اطراف الصراع واخذت تنهض بوتيرة عالية .

المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم معني اكثر من غيره في تصدر اتخاذ خطوات جادة لانجاز تلك المهمات وبشكل اعمق ومراعاة اهمية قيمة الزمن وفعله .

معا نحو مستقبل اجمل وارحب آمن ومستقر ومتطور .