الإثنين - 20 مايو 2019 - الساعة 09:44 م
☆((يجب أن يكون لدى البنوك الأوروبية رؤوس أموال كافية ... يجب أخذها بمحل الجدية البالغة))
أنجيلا ميركل- المستشارة الألمانية
☆((هناك نحو 12 عشر بنكا في منطقة اليورو، تتضمن بعض منها الأكبر في المنطقة عليها تقوية مواقف رؤوس اموالها))
لويس ديجاندوس - نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي.
لايمكن لأي نظام اقتصادي أياً كان إسلاميا ، أو رأسمالياً أواشتراكيا أو مختلطاً .... الخ البقاء بدون البنوك الشريان الحياتي للاقتصاديات الكونية المعاصرة .
*تاريخياً ، كانت الوظيفة الأساسية للبنوك هي حفظ أموال ( ودائع ) وأصول ( مقتنيات ووثائق )العملاء بصورة مأمونة ،وخلال المائتين عام الأخيرة تطور وتوسع دور البنوك ، خاصة في الدول الغربية الأوروبية والولايات المتحدة وذلك بسبب تكدس الثروات العامة/ السيادية (من ثروات المستعمرات) والخاصة(ظهور رؤوس اموال) ، والتقدم الاقتصادي (تحديدا بعد الثورة الصناعية 1750م) والذي وصلت إليه هذه الدول .
*ولقد ساهمت البنوك بفعالية في نمو الحركة التجارية الدولية وتحويل الأموال من وإلى أغلب مناطق العالم إلى المشاركة والاستثمار في مشاريع صناعية وتنموية وخدمية إلى تمويل مشاريع عملاقة في البنية الأساسية كالطرق والمطارات والكهرباء والمستشفيات والجامعات الخ.. وأظهرت فترات مابعد الحروب الكبيرة المدمرة وخاصة فترة الحرب العالمية الثانية ، والتي أعطت العالم نحو 70 عاماً من السلام الدور الإيجابي والبناء الذي تلعبه البنوك في المساهمة ( عبر التمويل ) في إعادة إعمار بلدان ومناطق الحروب والمساهمة في أبحاث العلم والعلوم بكافة تخصصاتها.
وفي وقتنا الحاضر تلعب البنوك دوراً كبيراً في النمو الاقتصادي لكل دولة وبذلك أثبتت في أنها جزء من عملية التقدم والنمو والتطور لكل دول العالم شرقها وغربها . وقد صاحب عملية التطوير والتوسع نمو وتضخم في أحجام الأموال التي بعهدتها وتلك التي تديرها ، حتى أن ميزانيات القوائم المالية لعدد من البنوك الكبيرة تظهر إجمالي أصول فاقت الناتج القومي الإجمالي (GDP ) لبعض اقتصاديات الدول الكبرى واقتصاديات عدة دول ناشئة مجتمعة .
أمثلة :
أسم البنك مجموع الأصول ( تريليون دولار ) البلد
1-البنك الصناعي التجاري الصيني 4.06 الصين.
- وتحتل 3 بنوك صينية اخرى المرتبات 2 , 3 و 4 وبأصول إجمالية بلغت نحو 9 تريليون دولار أمريكي
5-بنك مجموعة ميتسوبيشي يو اف جا المالية
2.786
اليابان
6- بنك جي بي شايس
2.533
الولايات المتحدة الأمريكية
7- HSBC بنك مؤسسة هونج كونج وشنجهاي
2.521
المملكة المتحدة
8- BNP Paribasبنك باربا
2.235
فرنسا
9- بنك امريكا
2.281
الولايات المتحدة الأمريكية
10- Crédit Agricoleبنك كريدت اجركول
2.117
فرنسا
كما أسهمت كل من العولمة ( التكامل العالمي لحركة السلع ورأس المال والوظائف) و التقدم التكنولوجي ( خاصة صناعة الحاسوب وتقنية المعلومات والاتصالات والانترنت ) في إحداث تغيير كبير وجذري وغير مسبوق في الاقتصاد العالمي وتحديدا التجارة الدولية. ومنذ سبعينيات القرن الماضي بدات حمى انتشار البنوك الغربية الكبيرة في مناطق وبلدان " الطفرة النفطية" لتساهم وتاخذ حصتها من ثروة " الدولار البترولي-Petro Dollar" . لاحقا،ادى انهيار المعسكر الاشتراكي في العقد الاخير من القرن الماضي وتحول دُوَلِهِ إلى سياسات السوق الحر على توسيع وتيرة تأسيس وانتشار البنوك التجارية وفروع لبنوك عالمية غربية التي وجدت في أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفيتي السابق اسواق عذراء وواعدة بأعمال وانشطة آمنة ومريحة ومربحة ومستدامة. والواقع أن هذه المؤسسات المالية ، وبالاخص البنوك الغربية، أستفادت وأفادت اقتصاديات جغرافيا تواجدها.
كل هذه العوامل والمسببات أعلاه ساعدت وسرّعت في عمليات ووظائف البنوك وكذا على انتشارها على مستوى العالم .
مثال في مطقتنا العربية:
"المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.".
هناك نحو 16 و40 فرعا لبنوك أجنبية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على التوالي مقابل 13 و 20 بنكا وطنيا في كل على حدة. ويستحود القطاعين المصرفيين السعودي والإماراتي على ما يقارب 50 في المئة من إجمالي اصول القطاع المصرفي العربي البالغ ما يقارب 2.2-2.5 تريليون دولار.
كما تتمتع البنوك السعودية والإماراتية بملائات رأسمالية تفوق بكثير متطلبات " بازل3". ويعود ذلك الى متانة وقوة رؤوس اموالها. وللعلم، فإن اصغر بنك في السعودية يتمتع برأسمال(وليس حقوق الملكية) يبلغ 2 مليار دولار أمريكي. وبسبب هذه القاعدة الرأسمالية المتينة لم تتأثر البنوك الخليجيةبتبعات الازمة المالية العالمية وبقى متماسكا في احلك ظروف الأزمة المذكورة.
ولكن الصورة الوردية ( الفقرات السابقة) خاصة كبر ونمو البنوك العالمية وتطور وتوسع أدوارها وأنشطتها المتألقة والمزدهرة لم يحصنها او يمنع عنها أو يقيها من إحداث ونكسات وكوارث مالية ساحقة ومدمرة ( وبدرجات متفاوتة ) وقعت واجتاحت كل دول المعمورة كأمواج التسونامي.ولقد كانت الأزمة المالية العالمية الاخيرة (2008م)المشوؤمة، والتي تعتبر أسوأ أزمة اقتصادية عالمية منذ ثلاثينيات القرن الماضي هي اقوى مثال حي ؛ واضعين بعين الاعتبار أن تبعاتها ونتائجها مازالت قائمة وملموسة إلى يومنا هذا( تراجع / انكماش / بطء الاقتصاد العالمي ، ديون سيادية خرافية ، مستويات بطالة عالية وغير مسبوقة ، سياسات تقشف عقيمة ومجحفة ، عجوزات المالية العامة، إنهيار اسعار السلع الاولية الرئيسية كالنفط والغاز والمعادن الصناعية...... الخ )
كل هذا ادى الى انكماش وتقلص كبير في حجم الاقتصاد العالمي وتباطئه مما خلف نتائج واثار سلبية مباشرة في حياة ورفاهية الملايين من البشر في كل أنحاء العالم. وقد كان التأثير موجعا وعميقا خاصة على الطبقة المتوسطة في ارجاء المعمورة والذي سرح الملايين منها من اعمالهم ووظائفهم.وتعتبر هذه الطبقة المحرك الرئيسي التي لا غنى عنها في اي تقدم ونمو وتطور إقتصادي واجتماعي وثقافي ...الخ في اي بلد كان.
من ناحية الإقتصاد الكلي ، كانت أقوى مظاهر هذه الازمة بروزا هي التدهور في مواقف البنوك العالمية المالية والمرتبط اسبابه بمستويات رؤوس اموالها اي اساسياتها المالية.
وعن الأسباب الرئيسية لحدوث الأزمة المالية العالمية والتي بدأت من الولايات المتحدة، يفسر عدد كبير من الاقتصاديين أن التهور في الإقراض الضخم والسهل والغير مكلف(أسعار فائدة منخفضة جدا) من قبل البنوك الأمريكية (الولايات المتحدة أكبر دولة مستهلكة في العالم) وتقديم منتجات وخدمات بنكية جديدة ومبهمة ومعقدة...الخ(الهندسة المالية) ، وفي ظل غياب/ تراخي الرقابة والمتابعة من قبل السلطات المالية وذو العلاقة، كل هذا واخرى اسست واسهمت في خلق ما يعرف ب "فقاعة الأصول"،وهو إرتفاع كبير غير حقيقي وواقعي في قيم وأسعار الأصول. وعندما كبر ووصل حجم الفقاعة الى مستوى غير منطقي انفجرت وقادت ودفعت إلى حدوث الأزمة المالية العالمية .ولقد جاءت الشرارة الاولى من أحد هذه البنوك العملاقة والذي اصبح أول ضحاياها، حيث انهار بنك ليمان برادرز الاستثماري الذي تأسس عام1850م واختفت معه أصول بنكية تقدر بنحو 639 مليار دولار .بعدها تلقائيا وبطريقة "تأثير دومينو Domino Effect " دخلت اسواق المال والاسهم العالمية في سلسلة خسائر قدرت بتريلونات من الدولارات. بل ان اكبر البنوك العالمية خسرت ما يربو عن 50 في المئة من قيمة أسهمها واصابتها حالة من " الذعر المالي" ادت لاحقا الى تبخر و / او شح غير مسبوق في السيولة حتى ان البنوك امتنعت عن دعم (يسمى تغطية) بعضها البعض (وهوعرف متعامل به بين بنوك المقاصة) وخاصة فيما يخص السيولة النقدية. جنب الى جنب، امتنع الفرد في هذه الدول عن الصرف والاستهلاك بوتيرة عالية عملا بالقاعدة المعروفة " السيولة (النقود) المنقد في الازمات المالية". وكنتيجة لانخفاض الاستهلاك (حركة الشراء) وإحجام البنوك على الإقراض مجددا ؛فضلت الحفاظ على السيولة التي بحوزتها وإبقائها في خزائنها او استثمارها لدى بنوكها المركزية وعليه،فقد تأثرت حركة وانشطة السوق عامةمما ادى إلى إفلاس/ وإغلاق كثيرا من القطاعات وفقدان الملايين لوظائفهم وتمدد وانتشار إنخفاضات القيم في أسواق المال والاسهم وبالأخص اسهم قطاعات حيوية في الاقتصاديات المتقدمة كالتأمين والإسكان وصناعة السيارات .وكانت هذه القطاعات تعتمد بطريقة مباشرة على القطاع المصرفي لتمويل عملياتها وأنشطتها جنب الى جنب أسواق التمويل بإصدار اسهم جديدة لزيادة رأس المال ؛ كما لم يكن هناك سيولة كافية في القطاع المصرفي او في الأسواق الموازية والثانوية (الاسهم والسندات..الخ) لتطبيع الوضع ولو بالحد الأدنى.
وعليه، يتبين من خلال السرد المختصر للوقائع أعلاه الدور المحوري والمصيري الذي يلعبه "القطاع المصرفي" في شرايين اي إقتصاد، كبر ام صغر.
حالة شح السيولة لدى القطاع البنكي حينها وإدراك لدور البنوك وعملياتها في الإقتصاد الذي لا يمكن الاستغناء عنه او تجاهله، استدعى تدخل سريع وتلقائي من قبل البنوك المركزية / السلطات المالية في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية اليابان والصين واستراليا وبعض دول الاقتصاديات الناشئة دفعتها جميعا لوضع "برامج انقاد" للبنوك في دولها يحول دون تدهور اوضاعها و/او انهيارها (كالذي حصل لبنك ليمان برادرز) نتيجة للازمة المالية العالمية 2008-2009م.هذه الدول كانت على ادراك ووعي كاملين لما يجب عمله.وبناءاً عليه ، قامت البنوك المركزية المعنية بتوفير الاموال (السيولة) بالقدر العملي والمناسب للبنوك حتى تستطيع تلبية أوضاع وطلبات مودعيها وعملائها وعدم فقدانهم الثقة مع بنوكهم. وتمت هذه العمليات من خلال برنامج" الانقاد" وجوهره دخول الدولة كشريك في البنوك الكبيرة وضخ قيمة ( سيولة) هذه الشراكة في رؤوس أموال اكثر البنوك تاثيرا والتي كانت بأمس الحاجة، وبالدرجة الأولى الى سيولة نقدية تبقيها صامدة أثناء وخلال تداعيات الأزمة. وبالتوازي قامت البنوك المركزية بشراء بعض من اصول هذه البنوك.
واثناء تداعيات الازمة، تم التأسيس في الولايات المتحدة لبيئة عمل صارمة فيما يخص نشاط البنوك والاجراءات التحوطية لعملياتها وأساليب الوقاية من تكرار الأمر و/ أو الوقوع في مشاكل كبيرة وخطيرة . وكان واحد من أهم هذه التطورات هو إخضاع البنوك لـ " اختبارات الجهد - Stress Tests" وهو مجموعة سيناريوهات مختلفة لصدمات مالية قد يتعرض لها القطاع المالي عند حدوث تقلبات اقتصادية حادة مستقبلا وشبيه بالأزمة الأخيرة . وكانت برامج إ"ختبارات الجهد" والفوز / والنجاح فيهامتطلب البنوك المركزية والسلطات المالية في الدول المقصودة يعد من حيث الأهمية بعد متطلب زيادة "رأس المال". كما تم،وبالتزامن مع لملمة أوضاع القطاع المصرفي وضع " برامج أنقاذ " في أغلب هذه الدول للصناعات والقطاعات الاستيراتيجية الاقتصادية كالإسكان ، والسيارات والتامين...الخ عبر " برنامج التخفيف/التحفيز الكمي / النقدي " " المعروفة بال "َ"QE -- Quantitative Easing" . يعمل هذا البرنامج على شراء اصول مضمونة (بدرجة رئيسية أذون خزانة ، استثمارات ...الخ) من هذه القطاعات مقابل سيولة يتم ضخها ووضعها تحت تصرفها لتستخدم لمواجهة وتخفيف ولوقف اي تدهور في عملياتها عامة وأوضاعها المالية خاصة. كما استهلت البنوك المركزية في هذه الدول خفض أسعار الفائدة لتصل بعد نحو عام الى ما يقارب الصفر (Zero) وذلك لحث ودفع البنوك على البدء بإقراض المستثمرين وعملائها حتى تبدا عجلة الإقتصاد بالدواران رويدا رويدا والخروج من حالة الركود.
وقد قدرت إجمالي المبالغ الذي ضخت من قبل البنوك المركزية في الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية في رؤوس اموال قطاعتها البنكية وباقي القطاعات الإقتصادية الحيوية والاستراتيجية بنحو 9 تريليون دولار أمريكي.
وقد نجحت برامج انقاد البنوك وباقي القطاعات في الولايات المتحدة الأمريكية( 3.7 تريليون دولار أمريكي ) بصورة مبهرة واستثنائية وبنهاية العام 2014م تعافت كل البنوك الأمريكية الكبيرة والمؤثرة في الاقتصاد.وتم إسترجاع ( خرجت من الشراكة) مبالغ الانقاذ التي ضختها الدولة وبالكامل مضاف إليها أرباح مجزية (دخلت بقيمة سهم منخفض وتخالصت بقيمة سهم مرتفع). وكمؤشر مهم على هذا النجاح المتميز والاستثنائي في ادارة الازمات الناتجة عن هذه الازمة فقد استعادت الولايات المتحدة الأمريكية وجميع قطاعاتها الاقتصادية والمالية عافياتها كما كانت. بل ان الوضع افضل من ذلك حيت وصلت نسبة البطالة في الولايات المتحدة في الوقت الراهن الى 3.6 في المئة وهو مستوى لم يسجل منذ نحو 50 عاما..
نفس السيناريو تكرر في المملكة المتحدة( نحو تريليون دولار أمريكي ) لنحو 5 من بنوكها كان منهم بنكين من ال 4 الكبار كما هو معروف ، بنك لويدز الذي تخارج لاحقا ودفع ديون الدولة (الإنقاذ ).ولكن مازالت الدولة شريك بنسبة 62 في المئة في البنك الملكي الاسكتلندي Royal Bank of Scotland. بنك باركليز Barclays ، والذي يعتبر واحد من البنوك الاربعة الكبار في المملكة المتحدة رفض إستلام اي دعم حكومي وفضل البحث على شركاء جدد فوقع في مصيدة إثنين من أعضاء الاسرة الحاكمة القطرية. وما زالت تداعيات هذه القضية تتداول وتترافع أمام محاكم المملكة المتحدة.
اما اليابان فقد قامت بحقن ما يقارب من 2.7 ترليون دولار من خلال برامجها الإسعافية والانقاذية وعلى كافة قطاعاتها الاقتصادية الحيوية وبالذات القطاع المصرفي. وللعلم، فإن اليابان تعتبر اكبر دولة مدينة في العالم ، إذ يبلغ نسبة الدين العام الياباني الى الناتج المحلي الإجمالي الياباني 250 في المئة.
من ناحية أخرى، وبرغم تطبيق البنك المركزي الاوروبي (تحديدا منطقة اليورو) لبرامج انقادية/اسعافية بنحو 2 تريليون يورو (نحو 2.5 تريليون دولار أمريكي )لبنوكها الكبيرة اسوة بالبرامج الامريكية ، إلا ان مستوى نجاحها كان بطيئا مقارنة بالتدابير الامريكية. ذلك بسبب إن السلطات المالية الاوروبية حصرت برنامج تدخلها في شراء " أصول " (اعادة شراء ديون سيادية بدرجة كبيرة )من البنوك لتوفير السيولة بالحد المناسب لتستمر الاخيرة في عملياتها ونشاطاتها البنكية. كما ان المعضلات الإقتصادية الحادة لكل من اليونان وايرلندا وإسبانيا كانت حجر عثرة واضافت عبئ على المركزي الأوروبي وساهمت ببط التقدم والوصول الى الهدف المنشود. ولكن وفي نفس الحين طلب من هذه المؤسسات المالية العمل الفوري على زيادة "رؤوس أموالها " لتفادي اي نكسات و/او موجات اردادية على علاقة بالازمة المالية العالمية. ولتحقيق هذا المتطلب كان على البنوك العمل على زيادة رأس المال عبر التمويل بإصدار اسهم جديدة.ولكن كان هذا شبه مستحيل في مثل تلك الظروف المقلقة بسبب نزوح وفقدان ثقة المستثمرين . الخيار الآخر كان البحث وجذب شركاء استراتيجين (بحصص كبيرة) ، خاصة الدول الغنية وصناديقها " السيادية". واقوى مثال تجسد بحيازة دولة قطر عبر صندوقها السيادي (هيئة إستثمار قطر Qatar Investment Authority ) على نحو 10 في المئة من بنك "دويتشه الألماني".
كما ان هناك مصرف آخر وهو «كوميرتس بنك» التي يعتبر ثاني اكبر بنك في المانيا والذي كان على حافة الهاوية فاضطرت الدولة الألمانية الى تامينه جزئيا (بعد فشل خطة اندماجه مع دويتشه بانك)عقب الازمة المالية العالمية لتصبح الدولةاكبر مساهم (في راس المال)في البنك ومشارك رئيس في إدارته.
وبرغم مرور ما يزيد عن عقد من الزمن منذ الازمة المالية العالمية إلا أن القطاع المصرفي الأوروبي لم يتعافى تماما كنظيره الأمريكي .ويعود هذا الإخفاق المحسوب عواقبه والمرتبط بالبنوك الأوروبية الى "الضعف المتجذر" في رؤوس أموال بنوكها، وخاصة لتلك الشريحة من البنوك العملاقة منها. هذا بالرغم من وصول مستويات راس المال في النظام المصرفي الأوروبي بنهاية 2013م الى نحو ثلاث أضعاف عما كانت عليه قبل الأزمة (2008-2009م). ومازال هذا التوجه مستمر الى حينه. وهذا التعافي الأوروبي البطيء يظهر جليا في العملة الأوروبية، اليورو التي اعتبرت العملة الوحيدة القادرة على منافسة الدولار الأمريكي كعملة "إحتياطيات سيادية وتعامل في التجارة الدولية".فقبل الازمة المالية العالمية بأسابيع قليلة وصل سعر صرف اليورو الى نحو 1.6 دولار أمريكي. ومنذ حدوث الازمة في خريف 2008م بدا اليورو رحلة الانزلاق في سعره مقابل الدولار الأمريكي وهو اليوم يبلغ ما يقارب من 1.12 دولار لكل يورو؛ اي أنه فقد نحو 43 في المئة من قيمته مقابل الدولار الأمريكي. وبنفس التحليل والتشخيص هو الجنيه الإسترليني ولكن بمقدار اقل ،15-20 في المئة.
ومن خلال ما ذكر وسرد فقد ثبت بما لا يدعو إلى الشك او الإنكار للدور المهم والمصيري التي تلعبه "قاعدة رأس المال"، خاصة في القطاع المصرفي أثناء الأزمات والأوقات العصيبة .
سؤال : هل لزاما فقط عند الأوقات الصعبة رفع رأس المال ؟
الجواب بالطبع بالنفي ..... البنوك عليها أن ترفع رؤوس أموالها بدرجة أساسية وأولوية مطلقة تلبية لقوانين وتشريعات / البنوك المركزية / السلطات المالية .
وأيضا لمتطلبات توافقية وفنية تتعلق أساسا في العلاقة بين رأس المال إلى الأصول وإلى الودائع ، وإلى الالتزامات الخ من خلال نسب( Ratios) مئوية تظهر الحد الأدنى القانوني المطلوب .
وبنفس الأهمية كانت هناك أيضا مقررات لجنة" بازل I و بازل II " البنكية الدولية التي تخضع البنوك لمتطلبات رأسمالية أعلى يجعلها أقدر تعزيزا وصموداً على امتصاص الصدمات في حال حدوث ازمات مالية مستقبلاً. في وقتنا الحاضر، بدأ من 2019م، على البنوك الالتزام بقرار "بازل3 " والذي يتمحور حول ((معدل كفاءة رأس المال )) - نسبة رأس المال الى الأصول "الخطرة" - Risk Assets/Capital.
ومن ناحية أخرى،على البنوك أيضا أن ترفع رؤوس أموالها في الأوقات الطيبة والنمو والتوسع الاقتصادي لأسباب عديدة منها على سبيل المثال وليس الحصر الآتي :
1- زيادة قدرتها على توفير القروض والتمويل والائتمان ( زيادة زخم / وتيرة النمو الاقتصادي وما يصاحبه من وظائف جديدة، استثمارات الخ ...) .
2- إعطاء دفعة لأنشطتها وخططها التوسيعية في السوق ( توفير خدمات ومنتجات أفضل / أكثر لعملائها، فتح فروع جديدة) .
3- دعم زيادة أرباحها وملاءتها المالية ( قاعدة ملكية أوسع وأقوى وتصنيف ائتماني أعلى ونظرة إيجابية من البنوك المراسلة ).
4- تقوية المراكز المالية للبنوك بإعطائها مناعة وتزيد من سلامة النظام المالي( تحصين /ثبات في حال أخلالات / مشاكل في القطاع / الاقتصاد ) .
وماذا عن كيفية زيادة رأس المال ؟
الطرق والأساليب التالية هي الأكثر شيوعا في رفع رأس المال :
أ- دخول شركاء جدد من خلال طرح أسهم ملكية جديدة للاكتتاب :
1- العام ( البورصة / سوق الأسهم )
2- خاص / محدود (شركاء معينين / استراتجيين)
3- 1 و 2 معاً
ويزيد رأس المال بمقدار عدد الأسهم التي طرحت للاكتتاب وملكت مضروبة بقيمة السهم المعلنة.ويدفع قيمة الأسهم الجديدة نقداً في حساب تخصصه الجهة المسوؤلة عن الاكتتاب .
ب- توسعة قاعدة الملاك الحاليين / حاملي الأسهم وذلك من خلال نسبة محددة ومرتبطة بالملكية / عدد الأسهم المصدرة ( بحوزة حامليها ) ..... مثال على ذلك هو الأتي :
من يمتلك عدد3 أسهم يحق له تملك سهم واحد في الاكتتاب الجديد . وعليه ومن يملك حالياً 6أسهم ، فسوف يتملك عدد2سهم جديدة وسوف يكون عدد أسهمه عند أقفال الاكتتاب 8 أسهم (6قديمة و 2 جديدة).
ويتم تمويل زيادة رأس المال بالأسلوب أعلاه بالطريقتين التاليتين :
1- نقداً ..... بضرب عدد الأسهم الجديدة المتحصلة بالقيمة المعلنة ( تماما كالمثال أ أعلاه ) وتورد لحساب " رأس المال " تخصصه الجهة المسوؤلة .
2- عن طريق رسملة كامل المبلغ ( كل الأسهم الجديدة مضروبة بقيمة السعر المعلن) من الأرباح المدورة / المتبقاة و/ أو الاحتياطيات ( النظامية ، الاختيارية ) الموجودة في بند إجمالي حقوق الملكية في الميزانية المالية العمومية .
☆الحالة اليمنية...
يوجد في الجمهورية اليمنية 17 بنكاً عاملاً في نهاية 31ديسمبر 2015م (16 مقارها الرئيسية في صنعاء) منها 4 بنوك أسلامية(مساهمة مغلقة) و3بنوك تقليدية ( تجارية ) مملوكة للحكومة و4 بنوك وطنية تجارية (مساهمة مغلقة)و 4 فروع أجنبية تقليدية ( تجارية) وبنكين تمويل أصغر(احدهم الكريمي) . ورغم هذا العدد من البنوك الوطنية والفروع الأجنبية فأن القطاع البنكي اليمني يعتبر الأصغر في العالم العربي ( بدون جيبوتي وجزر القمر والصومال ) من حيث إجمالي أصوله البنكية التي تبلغ نحو 2.7 تريليون ريال يمني أي حوالي 5.5 بليون دولار أمريكي (بسعرصرف 500 ريال يمني لكل 1$) . 65-70% من هذه الاصول "معتقلة" داخل إطار "آذون الخزانة" مقابل نسبة فائدة عالية تقارب ال30 %. ولكم ان تتخيلوا عبء خدمة هذه الآذون (الدين العام) على موارد المالية العامة حاليا وفي المستقبل .ويقف هذا القطاع على إجمالي رسملة مدفوعة تساوي 134مليار ريال ,نحو 268 مليون دولار كما في 31/12/2015م (بسعر 500 ريال يمني لكل 1$). وهذا يعطي متوسط عام راس مال 16 مليون دولار أمريكي لكل بنك. وهو رقم يعكس ضعف وهزالة اساسيات ومتطلبات رؤوس الأموال في قطاعنا البنكي. ويقال ان بعض من هذه البنوك/ الفروع مازال رؤوس اموالها المدفوعة تقل عن هذا المتوسط الهش!
وبموجب متطلبات رأس المال المدفوع للبنوك العاملة في الجمهورية اليمنية والذي صدر بقرار مجلس إدارة البنك المركزي رقم 12لسنة 2004م فأن الحد الأدنى " لرأس المال المدفوع" يبلغ 9 مليارات ريال يمني
اي نحو 45 مليون دولار بسعر صرف 215 ريال يمني لكل دولار أمريكي. و 18 مليون دولار امريكي بسعر 500 ريال يمني لكل دولار أمريكي(قريب جدا للمتوسط 16مليون دولار أمريكي المذكور اعلاه!).
. وهو مبلغ ليس متواضع بل ضئيلا ليمثل راس مال بنك ، خاصة في ظل الحالة الراهنة والذي اصابت بضرر بالغ وملموس الاقتصاد وقطاعاته المؤثره كالبنوك والتضخم الغير قابل للإحتواء وارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي.
وعندما صدر القرار أعلاه في العام 2004م فقد أعطى البنوك العاملة حتى 2009م لرفع رؤوس أموالها والالتزام بتنفيذ القرار.ولكن، وإلى تاريخه لم تنشر اي معلومة بخصوص التزام كل البنوك الوطنية والفروع الأجنبية بهذا المتطلب الغير "عملي والواقعي" نظرا لأهمية القطاع البنكي ودوره في الإقتصاد.خاصة وأنه منذ ذلك الوقت (2004-2009م) وإلى حينه وقعت احداث مهمة ومصيرية لها علاقة مباشرة بالبنوك خاصة والقطاع المالي عامة.الحدث الاول وهو الأهم على مستوى العالم، وكما اسهبنا في بداية المقال،كان الأزمة المالية العالمية في 2009- 2008م.
ثانيهما وعلى مستوى الوطن هو إفلاس وانهيار البنك الوطني للاستثمار ( الوطني ) بعد أقل من 4 سنوات من تأسيسه وما تسبب ذلك في ضياع وخسارة أموال اغلبية المودعين والذين كانوا من عامة الشعب. هذه الحادثة أثبت عدم كفاءة ومهنية وحرفية اولياء أمر والذين كانوا القائمين على السياسات الاقتصادية عامة والنقدية والمالية خاصة ، آنذاك.
التطور الثالث والقاتل والقائم هو الإنقسام في الادارية النقدية والمالية بين البنك المركزي اليمني في صنعاء والبنك المركزي اليمني -عدن (اغسطس 2016م). وبرغم هذا القرار السيادي استمر المركزي بصنعاء بتطبيق وفرض صلاحياته وسلطاته الإدارية والرقابية على البنوك العاملة في صنعاء (16 بنكا - نحو 93 % من إجمالي الأصول )مما ادى الى اصابة القطاع المصرفي بحالة من الشلل والضعف المالي لم يتمكن من تجاوزها . وعليه، فقد فقدت البنوك كلها دون إستثناء مصداقيتها وثقة عملائها بالدرجة الأولى وعلاقاتها مع مراسليها من البنوك الاجنبية التي بدون توفيرها لتسهيلات ائتمانية للبنوك الوطنية فان الأخيرة لن تستطيع ان تقوم باي عمل بنكي مع البنوك و/او قطاعات اقتصادية/ تجارية في اي دولة في العالم. وإذا كان للتطورات والأوضاع الحالية دور في ذلك ، فإن تدني متطلبات قانون البنوك فيما يخص رؤوس الأموال في القطاع المصرفي زادت من سوء وضعه وإنكماشه وتلاشي خدماته وانشطته. ذلك ، ومع رؤوس أموال للبنوك "قزمة"،مدفوعة بالعملة الوطنية والتي بدورها تتأكل بفعل تدهور سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي فان البنوك المراسلة وفي الظروف العادية تعيد وتراجع مواقفها (انكشافها) على البنوك (كبنوكنا) ؛ فأما تلغي/ تتوقف عن التسهيلات/ التعامل و/ أو تطلب ضمانات (في اغلبها نقدية) تكون صعبة وشبه مستحيلة.
وبرغم جدية وخطورة هذه الاحداث الاستثنائية على الإقتصاد عامة والقطاع المصرفي خاصة وفي مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد، انحصرت جهود وتحركات البنك المركزي اليمني في موضوع يتيم واحد لا غير؛ هو " سعر الصرف". ومع بداية العام الحالي 2019م شرع البنك المركزي اليمني-عدن مؤخرا في عمليات فتح "إعتمادات" إستيراد السلع الأساسية للتجار عبر كل البنوك في صنعاء والبنك الأهلي اليمني في عدن.جوهريا يتم إستخدام "الية" الوديعة السعودية في توفير "سعر صرف مدعوم" للريال مقابل الدولار الأمريكي. ويتراوح هذا الدعم مابين 15-20 % في سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي المتداول في السوق الحر.
وإن كان المركزي يساهم بجهوده في هذا الصدد،فهو بهذا اغلق الباب في وجه استعادة البنوك لبعض من انشطتها الأولية (التجارة الدولية- إعتمادات ، تحاصيل . إلخ )وزاد من حدة وضع القطاع البنكي المتردي . كان بالإمكان ومن خلال "الية" الوديعة السعودية "ضخ" موارد ، محدودة في حجمها، تساعد القطاع البنكي على الإبقاء " عائما"؛ وهي حالة افضل من الموجود والواقع في حينه، تكون مثلا ضمان لتسهيلات بنكية تمكن البنوك الوطنية المؤهلة من اداء ولو جزء / نسبة مقبولة من نشاطها مع الخارج. وفي مثل هذا الأوضاع وبسببه وبالمقابل نشطت وتوسعت عمليات ومعاملات اللاعبين في " الإقتصاد الخفي او الأسود كما يطلق عليه. وهي انشطة قانونية وغير قانونية "تحرم" الدولة من عائدات وإيرادات " هي في امس الحاجة اليها (تعريف مبسط).
الاستمرار في تحليل حال القطاع المصرفي اليمني سيقودنا حتماً إلى مبررات تستلزم إجراءت جذرية تبدا بهيكلة في القطاع .ولعل أهم تغيير قد يسهم ي أحداث انقلاب هو تحرير البنك المركزي اليمني من القيود السياسة الحالية. ايعقل أن يمر على كرسي المركزي اليمني 3 محافظين في ظرف اقل من عامين زمان ؟! حاكم (محافظ) مصرف لبنان (رياض سلامة) له اكثر من عشرون عاما في منصبه. حتما السيد سلامة قامة اقتصادية ومالية عملاقة وهو فخر لكل العرب والقطاع المصرفي العربي . هذا الحال المتميز حي وقائم برغم العواصف العنيفة السياسية والإقتصادية التي مرت ومازالت بهذا البلد الشقيق. وبرغم هذا الوضع المعقد يعتبر القطاع المالي المصرفي اللبناني واحد من أكفأ القطاعات البنكية العربية. ولم يكن هذا النجاح المذهل لولا وجود حاكم مصرف لبنان في الإدارة والمحافظة على سعر صرف الليرة اللبنانية لقرابة اكثر من عقدين في بيئة سياسية داخلية و اقليمية مزلزلة.
ماهي الخيارات التي يمكن للسلطات المالية في الدولة وللبنك المركزي اليمني اخذها بعين الإعتبار لمعالجة وضع القطاع المصرفي عامة ومسالة " رؤوس أموال البنوك" خاصة ؟.
بإذن الله سنحاول مستقبلا التطرق الى مثل هذه التساؤلات المهمة .
محمد نجيب
* تحديث لمقالة بنفس العنوان نشرت في صيف 2014م