كتابات وآراء


الإثنين - 17 أغسطس 2020 - الساعة 05:10 م

كُتب بواسطة : وديع منصور - ارشيف الكاتب


هل يمكن تحميل السنوات الخمس الماضية نتيجة كل ما يحصل في اليمن اليوم ؟ كل ما يحصل في الشمال وكل ما يحصل في الجنوب.

هل ما يطفو على السطح اليوم بالفعل هو نتيجة الخمس سنوات الماضية فقط ؟ هذا ما يحاول البعض تسويقه بإصرار على الملايين من أبناء اليمن الذين تم إفقارهم وتشريدهم وقمعهم منذ زمن بعيد.

صحيح ان التدهور اليوم متسارع أكثر من أي وقت سابق، لكن هل يمكن هكذا، وببساطة، تجاهل تراكمات طويلة حدثت على مدى عقود ؟ هل يمكن تجاوز فصول من صراعات أطراف كانت وما زالت تسعى فقط للحفاظ على مصالحها، أو إعادة إحياء ماضيها بعد ان تخسر بإحدى دورات الصراع. هل يمكن أن يكون كل هذا الجهل والتشدد والعصبية والرغبة غير المتناهية في سلب حقوق الآخرين نتيجة خمس سنوات فقط؟

التراكمات التي حدثت على مدى عقود طويلة كانت في معظمها تدور حول ثورات سعت للسيطرة على الحكم وانقلابات على الثورات، ثم بروز أخرى بدافع تصحيح مسار من سبقتها، وكل ذلك كان يترافق مع إستئثار من هم ليسوا مؤهلين بمقاليد الحكم، والاستمرار دون توقف بإقصاء من هم مؤهلون وتهميشهم ودفعهم دفعا للهجرة، أو في أحسن الأحوال ابتعادهم عن كل شيء والتزامهم الصمت . كان يتبع على نحو مستمر أسلوب ترحيل المشاكل وتهجير الكفاءات . كل ذلك أسس أرضية واسعة للمتصارعين، وهم يتقاتلون عليها اليوم دفاعا عن الشعب ! والمؤسف أن الكثير من الممارسات القديمة التي تم اتباعها في السنوات الخمس الماضية ما تزال تتبع حتى اليوم.

حين تتراكم الأخطاء أكثر مما ينبغي فانها تنفجر يوما ما بوجه الجميع، فهي أشبه بقنبلة موقوتة . لا يمكن تجاهل الكم الهائل من الأخطاء التي ارتكبت بأسم الثورات شمالا وجنوبا على مدى عقود طويلة، والأخطاء التي اعقبتها بأسم التحرر والوطنية، والجرائم التي تلتها باسم الحفاظ على وحدة التراب والدفاع عن الدين . واليوم بأسماء أخرى جديدة.

تلاشت ما تعرف بالطبقة المتوسطة، وهي لم تكن واسعة الانتشار على أي حال من قبل، واصبح من الصعوبة ايجاد آثار واضحة لمجتمع مدني . وهو أيضا لم يكن موجودا من قبل إلا على نطاق ضيق .. هل يمكن لبلد في هذا العصر الذي نعيش فيه ان يكون بدون طبقة متوسطة وبدون مجتمع مدني !

وفيما كانت القبيلة تهيمن على الدولة كانت المناطقية تختطفها أيضا . وهذا ما تم تسميته إختصارا على مدى خمسين سنة بالدفاع عن الوطن والشعب !

لا يمكن لبلد لديه كل هذه التراكمات الطويلة من العجز والفوضى والأخطاء القاتلة، وكان يقف طويلا على أرضية هشة، أن يكون متعافيا اليوم . وما حدث في الخمس السنوات الماضية لم يكن أكثر من التحول من علامات واضحة على الأمراض إلى جسد مهدود بفعل تمكن الأمراض منه.

الذين يقولون ان ما يحصل اليوم هو نتيجة السنوات الخمس، هل يستطيعون ايقاف هذا التدهور قبل ان تمر خمس سنوات أخرى، بدون القتال واقصاء الآخرين وسلبهم ؟
وهل لديهم وصفة سلمية لوقف التدهور ؟ من يستطيع أن يبرهن للملايين من اليمنيين المغيبين قسرا أن دولتهم القادمة ستكون مختلفة عن تلك التي انتجت لهم في الماضي بلدا متخلفا وفقيرا ومضطربا على الدوام وطاردا لمواطنيه . دولة قادمة غير فاسدة، لا تتسول لإطعام شعبها.

في الواقع، يشعر المتابع للأزمات في اليمن بالدهشة من إصرار عدد غير قليل من مواطني هذا البلد على تأييد من يسعون لاستعادة الماضي دون أن يكون لديهم القدرة الكافية على التعامل مع الحاضر ناهيك عن تحديات المستقبل، ومبعث الدهشة هي انه كيف ان القطيعة النهائية والتوقف عن الاعتراف بكل أولئك ليست من بين المواقف التي يُفترض اتباعها وممارستها بشكل أوسع ! ربما لأنه يبدو أسلوبًا يتعارض مع ما تم التعود عليه لزمن طويل، ولم يتم تجربته في أي وقت سابق بدرجة كبيرة كحل من الحلول الفعالة، وفي ظل ما يعيشه اليمنيون شمالا وجنوبا من أزمات منهكة، فأنه يبدو بأن الحلول التي لم تتم تجربتها لا تكون فعالة.