كتابات وآراء


الخميس - 02 يوليه 2020 - الساعة 03:49 م

كُتب بواسطة : قاسم عبدالرب عفيف - ارشيف الكاتب


أعلن الانتقالي الإدارة الذاتية في عدن وهي تعيش أوضاعا مأساوية في كافة مناحي الحياة بفعل سياسة الشرعية التي أعلن عنها مسؤوليها بانهم لن يسمحوا بمدها حتى بأدنى مقومات الحياة الطبيعية حتى لا يتم تقوية المشاعر الانفصالية عند الجنوبيين حسب قولهم ومورست هذه السياسة منذ اليوم الأول لتحريرها من الغزو الحوفاشي حتى اليوم وفي نفس الوقت صادف ان اجتاح عدن منخفض جوي تسبب في خسائر مادية وبشرية وكذا انتشار الجائحة العالمية لفيروس الكورونا كلها مجتمعة شكلت عامل ضغط على المجلس الانتقالي ليتحمل مسؤوليته التاريخية تجاه شعب الجنوب في إدارة أمره ذاتيًا حين تخلت الشرعية عن مسؤوليتها الأخلاقية والرسمية عدى عدد من التصريحات الإعلامية الجوفاء والتي تستعطف العالم لتتسول المعونات والتي تذهب هذه المعونات في الثقب الأسود التابع لها.

عدن كانت ولا زالت مدينة مفتوحة يدخلها من هب ودب دون ضوابط تمكن الفساد من الانتشار في كل مناحي الحياة وكانت تلك سياسة متبعة منذ احتلالها في العام 94م واستشرى فيها كل ما هو عشوائي وهنا العشوائية ليست في البناء في أي مكان يخطر على بال أحد (في وسط الشوارع أو في المنتزهات أو في الجبال أو في مجاري السيول أو على ممرات الصرف الصحي أو على كيبلات التيار الكهربائي وغير ذلك) وَلَكِن العشوائية عشعشت في عقول الناس واستوطنت تفكيرهم واضحت المتحكم فيهم وأصبح القانون والنظام من مخلفات الماضي وأصبح المسؤول في أي مستوى في جهازها الإداري المدني والعسكري لا يحده أو يردعه أي قانون أو نظام يعمل ما يريد كما يحلو له وأصبح الفساد ثقافة وعنصرًا مهمًا في حياتهم وحتى المواطن العادي متعايش مع هذا الوضع ولا أحد يستنكر أي تصرف مخالف للقانون والنظام والعقل والمنطق وكل ذلك أصبح سمة من سمات العيش الذي تحول إلى واقع والجميع يعتبرونه من سمات الحياة الجديدة والواقعية في نظرهم حيث ينطلق المسؤول بسرعة الصاروخ دون أدنى عناء يبذله ليجد نفسه من الطبقة الراقية التي تمتلك العقارات والشركات في غمرة عين ويأمر وينهي ولا يقف أمامه أي شيىء لا ضمير ولا وازع ديني ولا أخلاقي وأحيانًا أصبح الدين حصان طرواده ومن لوازم الانطلاقة السريعة نحو ( القمة !).

عدن في زمن مضى عاشت في ظل النظام والقانون هادئة ومستقرة كان الجميع ملتزم فيه وبالعيش المشترك فالجميع يعيش وينشط ويعمل ويتاجر ويستثمر وحتى يرتقي سلم الوظيفة تحت مظلة النظام والقانون لا أحد لديه حصانة ولا أحد فوق القانون ولا أحد يستطيع أن يتجاوز النظام وحتى عام 90م على سبيل المثال لا أحد يستطيع تجاوز الإشارة الضوئية الحمراء في تقاطع الطرق حتى وان كان الشارع خالي من السيارات في منتصف الليل.

اليوم بحجة ان عدن ملك للجميع رغم معرفتهم بسعتها وطاقتها الاستيعابية المحدودة يتسلل إليها الجميع ومن كل أرجاء اليمن واضيف لها سيل من النازحين من كل الأنحاء بحجة الحرب وتحت رعاية رسمية من حكومة الشرعية وكذا أفواج من اللاجئين الأفارقة بعشرات الآلاف اغرقوها بفيضان من البشر الذي لا لزمة لوجودهم فيها وتدخلت فيها السياسة لأهداف تغيير الوضع الديمغرافي وخربت كل ما كان نيُر من قيم وأخلاق وثقافة وتعايش وانسجام وتجمع البلاطجة يسرحون ويمرحون في أرجائها ومن ضمن ذلك تسربت إليها الخلايا النائمة لتستوطنها التي تأتمر بأمر من يريد أن يفرض على عدن نمط عيش جديد يأتمر بأمر العصابات التي تريد أن تضع نفسها فوق القانون والنظام.

ونحب أن ننوه بأن من كان يعيش في عدن قبل الطوفان كان من المستحيل أن لا يدفع ثمن فاتورة استهلاك الماء والكهرباء وفي عدن أيضا من المستحيل إدخال خدمات الكهرباء والماء لمبنى عشوائي بل من المستحيل أن يتجرأ أحد بالبناء العشوائي حتى في الضواحي وكان من المستحيل أن تمر فوق شرطي المرور أو أن تمر بسيارتك في شارع ممنوع الدخول حتى لو كان الشارع داخلي كان النظام والقانون سيد الموقف.

فقد كانت عدن مليئة بالمعسكرات لكن من المستحيل أن تجد قائد عسكري أو ضابط أو حتى جندي يتدخل في شؤون الإدارة المحلية وكان من النادر أن تجد طقم عسكري يتجول في المدينة أو أن تجد قائد عسكري يغلق الشارع بالمكعبات الاسمنتية حفاظًا على أمنه الشخصي أو يجول بحراسة في المدينة.

القانون والنظام متأصل في عقول وقلوب سكان عدن وكان من المستحيل أن تجد موظف يرتشي أو حتى يتجرأ أن يمرر معاملة تخالف النظام والقانون الجميع كان ملتزم تلقائيا وهذه كانت أهم شروط العيش في عدن المدينة والتي كانت المنارة الوحيدة في جنوب شبه الجزيرة العربية التي عرفت النظام والقانون من بداية القرن التاسع عشر حتى تسعينات القرن العشرين الماضي وكان يتعايش فيها كل أجناس الأرض ممن سكنوا فيها بأديانهم وثقافاتهم تعايشوا وتاجروا وتمازجت الثقافات ولم تتصارع لا الأديان ولا الثقافات وكان الجميع يعيش تحت مظلة القانون والنظام عيشا كريما مشتركا كل واحد يعرف حدوده يسود الاحترام فيما بينهم والمودة.

بعد حرب 94م وضعت عدن كغنيمة للمنتصرين وجردت من مدنيتها وأول اعتداء كان على النظام والقانون تمثل ذلك بالنهب والسلب للمؤسسات الحكومية والمصانع والمدارس والمستشفيات وكأن عدن مدينة معادية وبعد ذلك نقلوا كل أنظمتهم التي جلبوها معهم من صنعاء وجيشهم وأمنهم وقبائلهم وأصبحت عدن فريسة للجهل والتخلف تعاقب عليها حكام ضعاف ينفذون رغبات حكام الهضبة وتم البسط على أراضيها وتوزيعها كغنائم حرب للمنتصرين مع مصانعها وشركاتها وأساطيلها البحرية والمدنية والجوية والبرية وفتحت أبواب عدن لمن هب ودب وتضاعف عدد السكان أضعاف كثيرة دون أن يرافق ذلك توسعة الخدمات الضرورية وتحولت إلى مدينة عشوائية فقدت مدنيتها وتحضرها وسمحوا للبناء العشوائي في كل مكان بما في ذلك الجبال والشواطىء وغير ذلك وكان الهدف تعطيل وظيفتها كمدينة ساحلية وهبها الله ميناء طبيعي تخدم التجارة العالمية والاستثمار وكمحطة ترانزيت عالمية وتعمدت كل الإدارات المتعاقبة على عدن تعطيل هذا الدور وذلك بتوزيع للأراضي المخططة للمناطق الصناعية الحرة ثم تحويل وظيفتها إلى شيىء آخر لا يمت بصلة بالميناء وأيضا تم إلغاء المسارح ودور السينما وتعطيل التنوير والثقافة وكذلك دمروا البنية الأساسية بأدوات الثقافة والعلم والتنوير وكل الهدف تحويل عدن كما خططوا لذلك إلى قرية وهذا ما تم انجازه حتى الآن.

بعد تحرير عدن لم يتغير الأمر فقد واصلت الشرعية المتحكم فيها حزب الاخوان المسلمين سياستها التدميرية لعدن بل شنت حروب أخرى تتصل بمعيشة الناس من قطع المرتبات وتعطيل خدمات الكهرباء والمياه ونشر الفوضى والإخلال بالأمن من خلال تبني خلايا القاعدة وغيرها في مواصلة مسلسل اغتيال القيادات الجنوبية وإضافة إلى تشجيع الهجرة لعشرات الآلاف من الأفارقة من القرن الأفريقي ونزوح عشرات الآلاف من المدن اليمنية بحجة الهروب من الحرب وتوطينهم في عدن بعلم ورعاية حكومة الشرعية كل ذلك شكل عبىء كبير على قدرة عدن الاستيعابية ودون مرافقة ذلك زيادة في حجم القدرات الخدمية لمواجهة الطوفان البشري.

بإعلان الانتقالي الإدارة الذاتية في عدن والجنوب تقع عليه مسؤولية إزالة ركام الماضي وأول خطوة يتطلب القيام بها هو إعادة الاعتبار للنظام والقانون كقاعدة انطلاق لتصحيح كافة الأخطاء وانتشال أوضاع عدن من واقعها الأليم وان يكون النظام والقانون فوق الجميع كبيرهم قبل صغيرهم وعبر النظام والقانون تنطلق معالجة كافة الاختلالات الأخرى البنيوية والإدارية والثقافية والاجتماعية وتسير كلها في نسق واحد حتى استعادة أسس العيش المشترك والأمن والاستقرار فيها ومن الأولويات أن تضع خطط قصيرة المدى تعالج فيها الاختلالات الأمنية والإدارية والمالية وضبط عملية تسيير الخدمات بشكل منتظم وضبط آلية الأسعار وخاصة فيما يتعلق بالمواد الغذائية والمشتقات النفطية وعدم السماح بالتلاعب بها وتوفير مرتبات الموظفين والمتقاعدين بشكل منتظم ومن أهم الأولويات أن يتم تقوية أجهزة القضاء والادعاء العام وأجهزة الشرطة باعتبار ذلك أهم ركائز حماية الشرعية القانونية وتنقية تلك الأجهزة من العناصر الفاسدة والغير مؤهلة ورفدها بعناصر نزيهة ومؤهلة تأهيلًا عاليًا وإعادة بناءها على أسس علمية ووطنية وبعد ذلك يأتي دور محاربة الفساد عبر القانون ويتم كنس الفاسدين من أعلى إلى أسفل لضمان اجتثاثه من مصدر القرار وبعدها يتم وضع خطط طويلة المدى لمعالجة بقية القضايا الأخرى التي تهم استقرار وأمن وتنمية عدن في كافة النواحي سوى كان ذلك يتعلق بإيجاد حلول لقضية الأراضي بطرق يتوافق ووظيفة عدن المستقبلية وكذلك بقية القضايا الأخرى ومن أهمها إعادة الاعتبار للوظيفة العامة للدولة من خلال اتباع سياسة توظيف تضع الرجل المناسب في المكان المناسب فالمجلس الانتقالي وإدارته الذاتية تحت المجهر وفي المحك وعليه أن يختار بين إعادة تدوير الفاسدين والفساد أو أن يضع سياسية جديدة من خلال ضبط عملية التغيير نحو الأفضل باختيار الكوادر لشغل المناصب وفقا للكفاءة والنزاهة والخبرة.

ومن أهم المسائل العاجلة إعادة النظر في النظام المالي والإداري المعمول فيه حاليا لسد منافذ الفساد والإفساد وإعادة تفعيل وظيفة الخزانة العامة للدولة كضابط للعملية المالية والإدارية للدولة.

على الانتقالي طالما أعلن الإدارة الذاتية أن يعرف أنه مسؤول مسؤولية كاملة على كل شيىء في إطار المنطقة التي يديرها ولا يجب أن يكون مظلة لإدارة فاشلة وفاسدة وهو بهذا الإجراء رهن مصداقيته أمام شعب الجنوب اما أن يكون الفاعل أو لا يكون وأن لا يكون الوسيط بين إدارة فاسدة متهالكة والشعب كما نشاهده اليوم في عدن.